الصفحات

السبت، 10 سبتمبر 2016

اللغة العربية :الثابت... والمتغير.. ولغة الساندويتش


في كل شيء ثابتٌ،يُبرِّرُه أو يُبرزُه أو يُبرهن عليه مُتحولٌ، والعكس صحيح.
وفي كل حضارة ولكل ملة ودين ومذهب و عقيدة ثابتٌ يُسمي رُكنا أو أقنوما أو ناموسا؛ وهو - في الأغلب الأعم- ذو رتبة رتيبة مقدسة تسمي:"المحرم" أو "الممنوع" أو "التابو" تعصمه من خوض الغير في ماهيته، وتردع عنه "الضوال" والهمل" و"أصحاب البدع"،وفي المتحول لديهم مرتع خصب فيه يمارسون لعبهم و فيه يُلهون متفرجيهم و في سوحه يتغالبون...

وقد عاشت الإنسانية هذا النقيض وضده لأنه لا "فكاك" ولا "مناص" ولا "مساس". وهكذا تستمر الحياة بتدافعها الطبيعي و ثنائيته الأزلية: غالبا و مغلوبا سائدا وبائدا.
في ممرات الزمن يترك كل غالب "نصبا" وكل مغلوب "سلبا". ومع تقدم "العقل " و تطور "النقل" حدث تقارب "قسري" بين المتدافعيْن، قَرَّبَ المسافة و مَكَّن للتواصل أن يصبح "مثاقفة" حتي لبس الأوروبي الحرير، وأكل الرز، وكتب علي الورق، وقَتل و قُتل بالبارود... وعطر مائدته بالبهارات ،و تَأَكَّد أن سمرة الجسد ليست صباغا يزيله الماء والصابون..
وكذلك فهم "الأعراب" أن الصيني لا يولد من تفاحة وأن الفُرس لا يولدون "بشبكة دماغ" تمنع السيوف من اختراق رؤوسهم ، مالم تكن "مهندة" .
لكن الغرب في عصر التنوير الاوروبي جاء بهرمية تناقض مسلماته المكتوبة وقرر- من جانبه - اعتبار ثقافات الآخرين مُلونة جميلة لكنها لا تصلح إلا للمتاحف ، و اخترع لها اسما مأتميا هو "التراث الإنساني" و قرر أنها لا بد أن تؤمن من النهب و السرقة والاحتيال ولتفادي الخطر يجب أن تكون تلك المتاحف في دول ومدن "مستقرة" على طريقة "إياك أعني و اسمعي يا جارة" .
وانبرت جحافل الاستعمارمن المستكشفين وعلماء الآثار و العساكر فجمعوا منها- نهبا - ما أرادوا وأتلفوا ما "يناقضـــ"ـهُ ، حتى الأمم الساجية في العزلة لم تسلم مثل"الإينكا" الهنود الحمر الأُميركيين الذين أبيدوا عن بكرة أبيهم ،كما استؤصل "الآبوريجين" في أستراليا...
وبقي "المستعصون" على الإفناء والعقبة الكأداء والكتلة الصماء
إنهم"العرب" المغايرون، رغم قربهم ، المناكفون، رغم ضعفهم، المستمرون في مددهم، رغم التخلف، الباقون على وحدتهم الوجدانية، رغم التمزيق، فما سر بقائهم؟
إنه اللغة وعاء الدين و حافظة المنظومة القيمة ومنبع الشعور بالذات، وحشدت المعدات و اللوازم ووضعت الخطط و البرامج لاستهداف الثابت :اللغة أولا...اللغة أولا. فبعدها لا دين ولا متدينين..ولا عرب ولا مسلمين، ولكن كيف؟؟
إن الاستهداف يبدأ، وقد بدأ ، بتجفيف المنابع التي هي تعليم القواعد اللغوية في مدارس ورياض الأطفال،باعتبارها صعبة علي سنهم لكيلا ينشأوا علي فطرة النقاء الثقافي،وحصر اللغة في المسجد كأداة للوعظ
والعبادة استلهاما لتجربة الدولة العلمانية مع لغة الكنيسة (اللاتينية) المُماتة بحصرها في التراتيل.
والطامة الكبرى هي بث فكرة الكتابة بالعامية و التخابر بها وخلق لغة هجينة مع لغات تواصلية أخرى؛ ومن أبرز مظاهرها المدمرة كتابة المغاربيين لهجاتهم بالأحرف اللاتينية في الدردشات و الرسائل القصيرة (الرقوق ) وشيوع ثقافة الساندويتش والكنتاكي و"لول" و "سلت" و "ريم" و3 المقلوبة لمحاكاة العين... و معلوم أن " العين المقلوبة" "حولاء" أو "عوراء" أو هما معًا..

فماذا نحن فاعلون بالثابت و المتحول، أم أننا متحولون بدون ثوابت؟
ناجي محمد الإمام 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق