الصفحات

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

روعة أوجيه :الحرّية الصحفية فيها الكثير من المسؤولية التي تقيّد هذه الحرّية ايديولوجياً (مقابلة )

أجرت صحيفة الجزائر 24 مقابلة مع الصحفية اللبنانية روعة أوجيه مقابلة يعيد نشرها المجهر الصادق.
هي البريئة الشرسة… فمن يشاهد ضحكتها على الشاشة لن يقر بأنها تلك الكاتبة المدافعة عن حقوق الغير، لبنانية بنكهة انسانية تحمل ذهن متقد بأفكار عقلانية، خلقت له مساحة على الفايس بوك تمارسه فيها انحيازها اللامشروط للفرد، هي روعة اوجيه و روعتها في تقبل الاخر و اعطاءه الفرصة لتعبير عن نفسه بقلمها و تدويناتها. تخرجت من مدرسيتن اعلاميتين مختلفيتين ما اعطاها خبرة في الارتجال و التحكم في المباشر فهي التي اعدت فقرات إخبارية و قدمت نشرات في المحطة الفرنسية فرانس 24 قبل ان تنتقل لقناة الجزيرة التي استطاعت من خلال شاشتها ان تحجز مكانا لها في خارطة الاعلام العربي.

سفينتك أقلعت من قناة فرانس 24 ورست بالجزيرة… مدرستان مختلفتان كيف كان مرفأ الانطلاقة وما حالك مع ميناء الرسو؟

الانتقال من المدرسة الفرنسية إلى المدرسة البريطانية بالنسبة للمذيع ليست سهلة. ففي المدرسة الفرنسية، المذيع هو المسؤول عن فحوى النشرة وكتابتها، بالتالي كنت معتادة أكثر على الاعتماد على نفسي وعلى “احتكار السلطة” إذا صحّ التعبير. الجزيرة تعتمد المدرسة البريطانية إلى حدّ كبير، حيث المنتج هو المسؤول عن الفحوى، بالتالي كان عليّ التأقلم مع تسليم السلطة للمنتج، والثقة بخياراته وبصياغاته.
لكن العمل مع كوادر ذات خبرة طويلة ومهنية عالية سهّل هذا الانتقال، وجعلني أكتشف فوائد المنظومة البريطانية وأهمها أنها تترك لي وقتاً أكبر للتحضير للمقابلات، وللقراءة. وفي المقابل أيضاً، أغلب المنتجين يتقبلون أن أضفي بعض التعديلات على النشرة، ويتركون لي الحرّية شبه الكاملة في التغطيات المباشرة وفي المقابلات.

أكيد هناك فرق بين تجربتين.. ما الذي قدمته لك قناة الجزيرة الإخبارية و عجزت عنه قناة فرانس24؟

أولاً، التدريب والتطوير، فالجزيرة الآن تدخل عامها العشرين، وتحرص على تدريب موظفيها بشكل دائم. وهو ما كنت أفتقده في فرانس٢٤ إذ إن عدد الموظفين أقلّ، وبالتالي لم يكن من السهل تفريغنا لدورات تدريبية منتظمة.
ثانياً، القدرة على دعم المبادرات، سواء من جهة القدرة على تفريغنا، أو القدرة المالية. وذلك يعود خصوصاً للفرق في الميزانية وفي عدد الموظفين.
ثالثاً، العمل في الجزيرة ومقرّها في دولة عربية فتح عينيّ على وجهات نظر مختلفة، وأولويات صحفية مختلفة عمّا كانت لدي في فرانس٢٤. وأبسط مثال، في فرانس٢٤ يمكن أن يكون العنوان الأول حول قمّة أوروبية اقتصادية أو احتكاك بين روسيا وأوكرانيا، أما في الجزيرة فلا تتصدر هذه الملفات العناوين الأولى.

فقد الإعلام العربي بريقه، مما دفع المشاهد العربي إلى تغيير وجهته نحو الإعلام الغربي… أين موطن الخلل؟

أعتقد أن الربيع العربي وما شهده العالم العربي منذ ٢٠١١ هو السبب في فقدان هذه الثقة ليس فقط في الإعلام العربي، بل بالغربي أيضاً وبالكثير من المؤسسات منها الأمم المتحدة ومنها مؤسسات الدولة في عدد من الدول العربية. فهذه الهزّة التي وقعت في يوميات المواطن العربي وما زلنا نعيش تردداتها، ليست سهلة على مواطن اعتاد على نمط معيّن من الحياة طوال ٤٠ عاماً. فحتّى من شارك في المظاهرات لم يكن يحسب أنّ مرحلة ما بعد الاحتجاجات ستكون بهذه الصعوبة سواء اقتصادياً للدول التي تعيش المرحلة الانتقالية الآن، أو اجتماعياً وإنسانياً للدول التي دخلت في حرب.
ولعبت بعض الأنظمة لعبة اتهام الإعلام بتزييف الحقائق، فيما انقسم الإعلام بين من أيّد الأنظمة وبين من أيّد المتظاهرين. كما أن بعض الوسائل الإعلامية أخطأت في الاعتماد على بعض المصادر دون الأخرى، عدا عن اكتشاف أن بعض الصحفيين كانوا يروجون لآرائهم أكثر من الحقائق، حتّى في الإعلام الغربي وأذكر عدة حوادث لكبرى وكالات الأنباء (رويترز وأسوشياتد برس والوكالة الفرنسية للأنباء) حيث اضطروا للتراجع عن أخبارهم وتصحيحها والاعتذار. لذلك وسط كلّ الأحداث المتتالية منذ ٢٠١١ وكل هذه الصراعات التي انتقلت إلى الإعلام، فقد المشاهد ثقته بالإعلام الكلاسيكي، لكنّ الخطير أنّه استبدله بمواقع التواصل الاجتماعي، فبات يفضّل تصديق صفحة عابرة على الفيسبوك لأن الخبر أقنعه دون أن يتأكّد فعلياً  من مصداقية الصفحة أو الخبر.

إلى أي مدى يمكن للبيئة الاجتماعية التأثير على شخصية الإعلامي؟

طبعاً، فنحن بشر، والطبيعة والبيئة والمجتمع تؤثر على الجميع بشكل عام. كما تؤثر على فهمنا للأمور ورؤيتنا لها، لذلك المراسل على الأرض يحمل قيمة مختلفة للخبر ممن ينقله من مكتب في قارّة أخرى. وذلك لأن ما نراه بأعيننا وما نعيشه يختلف عمّا قد نقرؤه أو نسمعه من شاهد عيان.

تتمدد بعض المصطلحات كالمطاط، منها مفهوم الحرية.. كيف تنظر “روعة” لهذا المفهوم؟

الحرّية الصحفية فيها الكثير من المسؤولية التي تقيّد هذه الحرّية ايديولوجياً. الحرّية بشكل عام لا يمكنها أن تكون مطلقة عندما نعيش في المجتمع، فحريتك تتوقف عند حرّية الآخر. وحرّية الصحفي تحدّها واجباته تجاه مصادره وحمايتهم من أي أعمال انتقامية، وهو واجبٌ ينساه بعض الصحفيين اليوم أمام بريق السبق الصحفي.
كما تحدّ هذه الحرّية ضرورة التأكّد من المصدر، فأحياناً تحصل على معلومة من مصدر وحيد، وإذا لم تستطع تأكيدها من مصدر آخر لا يجب المغامرة في نشرها. وهو أيضاً ما ينساه البعض اليوم في مجال الإعلام. هناك الكثير من الواجبات التي تحدّ من هذه الحرية، أضيف إليها ظروف العمل في مناطق النزاعات أو تحت سلطةٍ تمارس التعتيم الإعلامي. ففي ظل غياب منظومات فعالة تحمي حياة الصحفيين، والذين يتعرّضون للاغتيال والاعتقال وتشويه السمعة، يصعب على كل الصحفيين التمسّك بالحرية المطلقة، فيمارسون الرقابة الذاتية لحماية أنفسهم وعوائلهم.

 ما هي مساحة الحرية المسموح بها في قناة الجزيرة الإخبارية ؟

شخصياً لم أشهد أي تضييق على حرّيتي الصحفية في الجزيرة، والإدارة بشكل عام تشجّع التنوّع على الشاشة وفي التغطيات، وأعتقد أنه يسهل الحكم على سعة هامش الحرية في الجزيرة من خلال التقارير التي تظهر على شاشتنا ومن خلال اختلاف الأسئلة بين مذيع وآخر. لكن طبعاً كأي قناة يجب الالتزام بالتعابير التحريرية المعتمدة، وبالمهنية وبعدم الانحياز إلا لمعاناة الإنسان و المواطن

كانت لك زيارة الى إفريقيا الوسطى في اطار التغطيات الميدانية… في اعتقادك، هل دول إفريقيا مهمشة إعلاميا؟

لا أعتقد أن دول أفريقيا مهمّشة عمداً، وفي الجزيرة تقارير يومية من أفريقيا، بحسب تواجد مكاتبنا. لكن هناك مجموعة من الدول الإفريقية التي تمارس تعتيماً إعلامياً أو رقابة مشدّدة فلا يسهل استصدار تصاريح للعمل الصحفي فيها، أو تقيّد حرية الصحفي عند وصوله إلى أراضيها وبالتالي لا تشجّع الصحفيين على تكبّد مشقة الرحلة والمجازفة.
كما أن هناك بعض الدول التي يصعب العمل فيها لوجستياً، وقد لمست ذلك في أفريقيا الوسطى. فعدد الرحلات الجوية الدولية أسبوعيا لا يتخطّى الـ١٠ رحلات، عدا عن صعوبة التنقّل داخل البلاد، وحتى داخل العاصمة. وهذا يجعل العمل الصحفي فيها صعب جداً ولا يمكن أن يكون بسهولة إيفاد مراسل إلى اسطنبول مثلاً. لذلك تبدو إفريقيا مهمّشة إعلاميا.

دراساتك لما بعد التدرج انحصرت في الصراعات الجيوسياسية…هل يوجد حل نظري لما يعانيه الوطن العربي ؟

الجيوسياسة علّمتني أن أسباب الصراعات ليست واحدة، وأن لكل صراع عدّة مسببات وعوامل، ومتغيرات تطرأ عليه، وأنّ الصراع بحد ذاته يولّد ترسبات لصراعات أخرى في المستقبل. الجيوسياسة سوداوية الرؤيا بالنسبة للعالم العربي، ومن منظار المدرسة التي درست فيها، القضية الفلسطينية هي أساس البداية لأي طريق استقرار في الدول العربية.  فطالما يوجد اغتصاب لأرضٍ ليست فقط عربية، بل مقدّسة ولها رمزية دينية كبيرة للمسلمين الذين يشكلون غالبية الدول العربية.
و سيبقى شعور الذلّ والمهانة لدى المواطن العادي شعوراً قوياً لا يمكن التنبؤ بتبعاته، خصوصاً عندما نضيف عليه ممارسات الأنظمة القمعية والأوضاع الاقتصادية وغيرها من الضغوطات اليومية. فإما ينتج ثورات ضد الأنظمة التي يُنظر لها على أنّها باعت القضية، أو ينتج حركات مسلّحة تقاتل إما اسرائيل مباشرة أو الأنظمة التي يُنظر لها كعميلة له. وبما أن الغرب لن يسمح بنهاية دولة اسرائيل وعودة الأراضي الفلسطينية كاملة، فحتى لو تم التوصّل لاتفاق سلام على مبدأ حلّ الدولتين، سيبقى شعور الذلّ والمهانة قوياً إلا إذا نجحت المفاوضات في وضع المسجد الأقصى تحت وصاية الفلسطينيين، وهو ليس بالأمر السهل. يعني باختصار، الأساس هو القضية الفلسطينية، التي كانت يوماً قضية عربية، قبل أن تتخلّى عنها بعض الدول.

في إحدى الأيام خانتك الدموع حين قرأت خبر عن طرابلس .. كيف تتعاملين الآن مع الأحداث في لبنان؟

ما أبكاني يومها لم يكن التفجيرات، فنحن للأسف منذ الطفولة اعتدنا التفجيرات والاشتباكات والموت. ما أبكاني هو بصيص الأمل عندما قرأت خبر نزول مئات المتطوعين بطريقة عفوية لتنظيف مخلفات الانفجار ولمساعدة الضحايا، فهذا الخبر أثّر فيّ أكثر لأنّه كان رمزاً للخير في مستنقع الدماء هذا، ولأنّه أمام عشراتٍ أرادوا إشعال حرب أهلية جديدة، مئات رفضوا ذلك، وتركوا أثراً أكبر من التفجيرات في محيطهم.
حتّى أن رجلاً فقد أولاده قال إنّ كل مشاعر الحقد بعد التفجيرات اختفت عندما رأى طيبة هؤلاء الشباب ووقفتهم صفاً واحداً لمساعدة المتضررين. لكن بشكلٍ عام هذه “الحادثة” علّمتني ما يؤثّر فيّ وما قد يبكيني، وبالتالي لدي الآن بعض التقنيات لأصبّ تأثري بعيداً عن الدموع. فمثلاً قد أضغط بقوّة على القلم أو أشدّ يدي على الطاولة..

تدخل لبنان عامها الثالث دون رئيس… ماذا يمكن أن يفعل اللبنانيون من اجل إقناع مجلس النواب بضرورة انتخاب رئيس؟

أن يتنازلوا عن زعاماتهم وينزلوا للتظاهر أينما كان في لبنان.

ما تقييمك للبيئة الإعلامية في لبنان ؟

لا يمكنني الحكم كثيراً على الإعلام اللبناني، فأنا تركت لبنان منذ أكثر من ٧ سنوات الآن وعملي هو في الملفات الدولية لذلك لا أملك الوقت لمتابعة كل النشرات اللبنانية أو القنوات لأحكم. أفضّل متابعة المستجدات اللبنانية عبر الصحف. وفي الصحف كما في القنوات لكل وسيلة توجهاتها طبعاً، لذلك يجب تنويع المصادر.

يقال عن بعض القنوات اللبنانية أنها تعتمد على الجمال كمقياس رئيس لاختيار المذيعات…ما صحة ذلك؟

الجمال ليس كافياً كي تكوني مذيعة، فالتلفاز هو وسيلة مرئية مسموعة، والمسموع هو الجزء الأكبر منه، فلا يكفي أن تجلس الجميلة وتنظر للكاميرا، عليها أن تقرأ النشرة. وعند التغطيات المباشرة حيث يتوجب عليها الارتجال لساعات، دون أن نرى وجهها، جمالها لن ينفع. ولا أعتقد أن الإدارات في القنوات اللبنانية تغفل عن هذه النقطة، لذلك لست أكيدة من صحة القول إن الجمال هو معيارهم الأساسي. لكن الجمال أيضاً لا يعني أن المذيعة لا تملك مقومات أخرى، فنحن نظلم الجميلة عامةً باعتقادنا أنّها فقط تعتمد على جمالها، لأننا متأثرين بالقول الفرنسي “كوني جميلة واصمتي”.

تتواصلين مع معجبيك عبر الفايسبوك بشكل دوري… ما أهمية هذا التواصل بالنسبة للإعلامي؟

هذا التواصل أتمّ الحلقة المفقودة التي حدثونا عنها في أول نظريات الإعلام، التي كانت تقول إن الرسالة تمر بالوسيلة إلى المتلقي لكننا نفتقد المقياس لمعرفة أثرها على المتلقي. شخصياً أحبّ أن أعرف أكثر عن حياة من يشاهدنا، أحبّ هذه الألفة الاي سمح لي الفيسبوك بخلقها مع المتابعين. وفي المقابل أستفيد كثيراً من معرفة رؤية المتابعين لبعض الأخبار وتعاملهم معها وأثرها فيهم.

 لا يمكن ان نختم الحديث معك دون أن نسألك عن علاقتك بالمذيعين الجزائريين ؟

دون مجاملة، جميعهم دمثو الأخلاق، لطيفون، بعضهم أقرب من غيرهم بحسب ما تسمح به دواماتنا من لقاءات، لكن جميعهم فيهم الخير والبركة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق