كيف تشجعنا الجمعيات الخيرية على التخلي عن بعض نقودنا؟ الكاتبة والمحاضرة في علم النفس كلوديا هاموند توصلت إلى أن هناك طرقا تتبعها تلك الجمعيات أكثر فاعلية من غيرها.
1- لا تعتمد على الصور النمطية
في إعلان نموذجي يهدف لجذب متبرعين في أعقاب وقوع زلزال ما، كثيرا ما نرى أسرة تقف حزينة أمام منزلها المدمر بينما تنتظر وصول المساعدة.
ويميل الأطفال في مثل تلك الإعلانات إلى أن يكونوا جذابين للغاية بابتساماتهم الساحرة وعيونهم الواسعة. والفكرة هي أنه لن يكون بإمكاننا مقاومة هؤلاء الأطفال الرائعين. بيد أن دراسات عدة تشير إلى أن هذه الصورة الكلاسيكية قد لا تكون مقنعة تماما كما قد تتوقع.
فقد طلب باحثون في جامعة ألبرتا من الناس زيارة مواقع أنشئت لأغراض البحث، ووصفت الخيارات لرعاية طفل حوصرت أسرته في انهيار طيني، أو خلال حدوث موجات المد العاتية تسونامي. وفي بعض تلك المواقع كان الأطفال في الصور يتصفون بالوسامة جدا، وفي بعضها الآخر كانوا متوسطي الجمال إلى حد كبير.
وعندما تحدث الوصف عن فقدان الطفل لمنزله ووالديه نتيجة كارثة طبيعية، فإن مظهر الطفل لم يحدث فرقا. ولكن عندما كانت الظروف ليست مأساوية إلى ذلك الحد، فإن الأطفال الأجمل كانوا في وضع سيء. إذ حكم عليهم بأنهم أكثر ذكاء وقدرة على مساعدة أنفسهم.
ويقترح مؤلفو البحث على الجمعيات الخيرية أن تستخدم عمدا إضاءة أقل تعاطفا في الصور الفوتوغرافية إذا كانت تسعى إلى جمع مبالغ أعلى.
كما أن نشر صور يبدو فيها الناس نشطين لا بليدين يساعد أيضا في ذلك الأمر.
وقد توصلت الباحثة هنا زاغيفكا من جامعة هولوي في لندن في بحث لها إلى أن الناس أكثر ميلا للتبرع بعد وقوع كوارث طبيعية مما هم بعد حرب أهلية مثلا، إذ يحكمون بأن الناس المتضررين من الكارثة الطبيعية ليس لهم يد فيها كما في الحرب الأهلية.
ولكنهم أيضا يتبرعون أكثر إذا ظهر الناس وهم يحاولون مساعدة أنفسهم بدلا من الانتظار السلبي للمساعدة. لذا، فالدرس المستفاد هنا هو استخدام صور لعائلات تحاول بناء ملجأ لها، على سبيل المثال، بدلا من الجلوس والانتظار على أمل وصول المساعدة.
2- لا تركز دائما على قصص فردية
عندما تقع كارثة كبيرة، قد يكون من الصعب تخيل ما يحدث على أرض الواقع تماما، لذا فإن جامعي التبرعات كثيرا ما يروون لنا قصة شخص ما، لأن ذلك يساعدنا على التعاطف مع الناس في ورطتهم.
وتبدو تلك فكرة جيدة. فإننا نضع أنفسنا مكانهم، وندرك مدى فظاعة الحياة بالنسبة لهم، وبالتالي نتبرع ببعض المال على أمل تخفيف آلامهم. بيد أننا نسمع الكثير من القصص الفردية الآن لدرجة أن مثل تلك الروايات قد تبدأ تفقد تأثيرها.
إن ما تحتاجه المنظمات غير الحكومية حقا هو الحصول على تبرعات متكررة من الناس الذين يصبحون ملتزمين بمنظمتهم، بدلا من التبرع لمرة واحدة بعد الاستماع إلى قصة فردية واحدة. لذا، فقد يكون أفضل للجمعيات الخيرية أحيانا أن تركز على الصورة الأكبر بدلا من ذلك.
وقد جند علماء نفس في إسرائيل 300 شخص وأخبروهم عن مركز لإعادة تأهيل الناجين من حوادث الطرقات كان يواجه تخفيضات مالية. وتم تقسيم المشاركين إلى مجموعات، عرض على كل منها سيناريو مختلف.
قيل للمجموعة الأولى إن المال سيساعد امرأة بعينها كانت قد تعرضت لحادث سيارة خطير. وقيل للمجموعة الثانية إن المال سيساعد رجلا مصابا. فيما قيل للمجموعات الأخرى إن المال سيساعد الرجال أو النساء في المركز دون الخوض في التفاصيل عن الأفراد.
وكانت النساء على استعداد للتبرع بمعدل ثلاثة إلى خمسة دولارات لمساعدة المرأة التي تعرضت لحادث، وبمعدل 16 دولارا فقط لمساعدة النساء بشكل عام.
لكن الرجال أعطوا أكثر لمساعدة النساء بشكل عام بدلا من مساعدة فرد بعينه. وقد انعكس النمط عندما قيل لهم إن المساعدة ستكون للرجال. وبعبارة أخرى، عندما كان المتبرعون مماثلين للمحتاجين، فإنهم أعطوا أكثر عندما قيل لهم إن المال لمساعدة فرد وليس مجموعة. ولكن عندما كانوا من جنس مختلف، فإنهم أعطوا أكثر لمساعدة المجموعة.
ما تحتاج الجمعيات الخيرية إلى فعله إن كان ذلك في وسعها هو معرفة ما إن كان المتبرعون المحتملون قد يتعاطفون مع الأفراد الذين يساعدونهم. وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن التماس التعاطف مع مفاهيم مجردة أكثر، كمعالجة قضايا العدالة الاجتماعية، أو تحسين العالم، قد يكون أكثر فاعلية.
3- اختر كلماتك بعناية
إن تغيير كلمة واحدة فقط قد يحدث فرقا في التبرعات التي تجمعها جمعية خيرية.
فقد أجرى الإخصائي النفسي نيكولاس غوجوين تجربة في 14 مخبزا في منطقة بريتاني. ووضعت خلال تلك التجربة علبة قصديرية لجمع الأموال على كل منضدة، ووضع عليها ملصق يحتوي على معلومات عن جمعية خيرية تعمل في توغو في غرب أفريقيا. وكانت الملصقات على العلب متطابقة، باستثناء كلمة واحدة.
إذ كتب على ثلث الملصقات على العلب أن "التبرع=المحبة"، وعلى الثلث الثاني أن "التبرع=المساعدة"، أما الثلث الأخير فقد كتب عليه فقط كلمة "التبرع".
وعندما أحصى علماء النفس الأموال، وجد أن العلب التي على ملصقها كلمة "محبة" احتوت على حوالي ضعفي الأموال التي احتوت عليها العلب التي كتب على ملصقها "مساعدة".
ويشير الباحثون إلى أن كلمة الحب تثير مشاعر التضامن والتعاطف والدعم، وهو ما دفع الناس لأن يكونوا أكثر سخاء.
4- اجعل التبرعات علنية
كل منا يرغب في تقديم نفسه على أنه طيب وكريم. في دراسة أجريت عام 2010، قدم لمجموعة المشاركين فيها مبلغ من المال، وقيل لهم إن بإمكانهم الاحتفاظ بالمبلغ كاملا أو اختيار تقاسمه مع إحدى الجمعيات الخيرية التي اختيرت من بين قائمة محددة.
وكان من الأرجح بشكل كبير أن يتبرع المشاركون بالأموال إذا اعتقدوا أن الشخص الموجود على الشاشة أمامهم كان يراقبهم.
هذا التوق لأن تظهر سخيا له تأثير مثير على مواقع العطاء الخيرية. ورغم أن بإمكان الناس اختيار عدم الكشف عن هوياتهم على هذه المواقع، فإن الأغلبية تكشف عن أسمائها للتباهي.
وقد حلل باحثون من جامعة كلية لندن مؤخرا 2,500 صفحة تبرع على الإنترنت وتوصلوا إلى أن التبرعات ارتفعت حال معرفة أن أحدهم كان شديد السخاء وقدم 10 جنيهات استرليني إضافية في المتوسط.
وكان التأثير أكثر وضوحا إذا كان جامع التبرعات امرأة جذابة، وكان المتبرع رجلا؛ إذ يقدم المتبرعون من الرجال ما معدله 38 جنيها إضافيا. لذا، إذا كنتم تحاولون جمع المال على الإنترنت، وإذا كنت امرأة، فيمكنك أن تقنعي أحد أصدقائك الذكور بالتبرع بمبلغ كبير منذ البداية وابتسمي للصورة.
وقد توصل الباحثون أيضا إلى أن الابتسام هو أكبر عامل يؤثر على تصنيفات الجاذبية.
5- إذا كنت تريد مالا من مليونير، لا تخبره أنه سيحصل على شيء في المقابل
عندما تطالب الجمعيات الخيرية بتبرعات كبيرة، تحاول أحيانا أن تقنع المانحين بأن ذلك سيكون جيدا بالنسبة لهم أو لشركاتهم، ربما، إذا كانوا يريدون التبرع بمبلغ كبير.
وتشير دراسة للباحثة بوتا دتش ضمت 633 مليونيرا إلى أن هذا النهج قد يأتي بنتائج عكسية.
وقد شارك كل مليونير من هؤلاء في لعبتين. في إحداهما، منح 100 يورو وكان بإمكانه الاحتفاظ بها أو التخلي عنها للاعب آخر قيل له إنه كان يتقاضى دخلا منخفضا جدا.
وفي المتوسط تخلى المليونير عن 71 يورو، وهو مبلغ يوازي ثلاثة أضعاف ما يتنازل عنه الناس عادة في هذه اللعبة، ولكن في الواقع، بمقدور هذا المليونير أن يكون سخيا.
ثم شارك أصحاب الملايين في لعبة ثانية تدعى لعبة "الإنذار الأخير". ومرة أخرى منح كل منهم 100 يورو، ولكن اللاعب الآخر علم بذلك وكان بإمكانه أن يقرر ما إن كان سيقبل عروضهم بمنحه جزءا من المال أو يرفضها.
وإذا رفضها، فليس مسموحا لأحد من الطرفين بأن يحتفظ بالمبلغ.
قد تفكر أن هذا المال مجاني، فمن سيرفضه؟ في الواقع، نصف الناس يعتقد أنه ليس من العدل أن يعرض عليه أقل من 20في المئة من المال، فيرفض العرض بهدف أن يخسر اللاعب الآخر أيضا.
وقد أدرك أصحاب الملايين أن عليهم تصويب الهدف بالشكل الصحيح، والمثير للدهشة أن ذلك جعلهم أقل سخاء. وبمجرد أن بدأوا التفكير في شروط اتفاق يتضمن مكاسب وخسائر، فإنهم تخلوا عن بعض إيثارهم وكان متوسط العرض هذه المرة 61 يورو.
من هذه النتائج، يبدو أن وضع الجمعيات الخيرية سيكون أفضل بطلب التبرع مباشرة من شخص ثري بدلا من الإيحاء بأنه سيكسب شيئا لقاء ذلك، وأنه نوع من الاستثمار. وإذا فعلت الأمر الأخير، فهناك خطر أن تضع المانح في إطار فكري مالي، وبالتالي ستجني الجمعية أموالا أقل.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق