عمايبني المرء أحلامه وأمنياته ويشيدها قصورا وقلاعا، يحلم بأن يقطف من جنانها أطيب الثمار.. فيستفيق من حلمه بعد أن بللت مياه البحر ثيابه ليجد أنه كان يبني على رمال الشاطئ.. حتما سيصاب بخيبة أمل شديدة.
وهذا ما أصاب أغلبية نظام ولد عبد العزيز، التي تعيش اليوم أكبر خيبة أمل بعد أن أوشك العقد الذي يجمعها فيما بينها من جهة، ويجمعها بولد عبد العزيز من جهة ثانية، أن ينفرط، وبدأت رياح الخلافات داخل الأغلبية المنضوية تحت يافطة "إتلاف أحزاب الأغلبية" منذرة بتطاير هذه الأحزاب، التي هي: ـ إلا من رحم ربك ـ إما ورقية أو عبارة عن أفراد لا قاعدة لهم، أو جوقات مزمرين لكل من يجلس علي الكرسي الرئاسي بغض النظر عن صيغة وصوله إليه أو نوعية جلوسه عليه.
وفي هذه القراءة للخريطة السياسية، سأسلط الضوء علي واقع الأغلبية وخلافاتها، وذلك سعيا مني إلى الإسهام في إنارة الرأي العام الوطني حول الواقع السياسي الوطني، الذي تمثل الأغلبية والمعارضة مشهده الأساس.
وفي بداية هذه القراءة اذكر بان هذه الأغلبية ـ التي لم تكن استثناء عن سابقاتها التي كانت تلعب دور الدركي دفاعا عن الحاكم فى وجه معارضيه ـ تأسست في بدايتها من الأحزاب التي ساندت ولد عبد العزيز في انقلابه علي ولد الشيخ عبد الله، إضافة إلي البرلمانيين المغاضبين، "شماعة" هذا الانقلاب، (قبل أن يؤسسوا حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم، المهمشين اليوم داخله، حسب ما يقول بعض العارفين بداهليز الحزب)، حيث ساند هؤلاء ترشح ولد عبد العزيز في انتخابات 2009 وفي مفاوضات دكار، ولعب قادتها قبل ذلك أدوارا أساسية، خارجية وداخلية لجلب لاعتراف بسلطة انقلاب السادس من أغسطس 2008، التي شهدت معارضة غير مسبوقة علي المستويين الداخلي والخارجي، وذلك قبل أن تنضوي هذه الأحزاب مجتمعة في حلف "إتلاف أحزاب الأغلبية"، الذي يصفه خصومه بأنه ليس "حلف فضول"، نظرا للتباينات الجوهرية في الزمان والمكان والأهداف بينه مع حلف المطيبين العرب قبل الإسلام ولكونه ـ حسب الخصوم ـ لم يحضره "فضل" من ألائك الذين بحضورهم، سمي عليهم الحلف العربى، حسب بعض الروايات.
أسس العلاقة بين ولد عبد العزيز وأغلبيته بعد الانقلاب:
تأسست هذه العلاقة علي أساس توصية صادقت عليها الجمعية الوطنية في دورة طارئة انعقدت في شهر سبتمبر 2008، قاطعها نواب الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية (حضرها نواب حزب "التكتل")، تبرر الانقلاب علي ولد الشيخ عبد الله وتحدد خريطة للعودة للحيات الدستورية في ظرف لا يتجاوز 14 شهرا، وقد جذرت توصيات المنتديات العامة للديمقراطية التي نظمت في نواكشوط ما بين 27 دجمبر 2008 و 5 يناير 2009، علاقة الطرفين باعتبار هذه التوصيات قد تضمنت إصلاحات دستورية وسياسية تعمق النظام الديمقراطي ودور الأحزاب فيه وتعزز المؤسسات الدستورية وتقلص الفترة الانتقالية إلي ستة أشهر.
وشهدت هذه العلاقات، ذروة عزها أثناء مفاوضات دكار ومقارعة ولد عبد العزيز ومن شايعوه، محاولات جبهة الدفاع عن الديمقراطية استعادة ولد الشيخ عبد الله للسلطة، وتعززت تلك العلاقة، أكثر أثناء الحملات الرئاسية في انتخابات 6/6 (المفترضة) وانتخابات 18 يوليو 2009، مع أن قادة تشكيلات الأغلبية يجمعون على أن دورهم في هذه الأمور لم يتعد الجانب الديكوري، حيث لم يستشاروا في بنود الاتفاق ولا في تأجيل الانتخابات من 6/6 الي 18/7 ولا في برامج الحملات الانتخابية وقد برر أحدهم ذلك بأن المرحلة كانت لا تسمح بإظهار أي نوع من الخلافات داخل الأغلبية لحساسية الظرفية.
بداية خلافات الأغلبية مع ولد عبد العزيز:
شكل إعلان أول حكومة بعد انتخابات 18 يوليو الرئاسة، الشرارة الأولي لهذه الخلافات علي خلفية اقتصار تمثيل أحزاب الأغلبية فيها، خارج الحزب الحاكم، علي حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم (حزب بنت مكناس) التي أسندت لها حقيبة الخارجية ولعضو حزبها سي ادما حقيبة الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبرته الأحزاب الأخرى ظلما لها وعدم وفاء من رئيس الجمهورية ببنود الاتفاق التي علي أسساها ساندوه، ولم تسلم أوساط قيادية في الحزب الحاكم من هذا الامتعاض والشعور بالظلم والحيف، حيث رأت هذه الأوساط أن تمثيل الحزب في الحكومة لم يتم علي أساس اعتبارات موضوعية، لا من الناحية السياسية ولا الجهوية ولا الإتنية وقد تولد عن ذلك تذمر كبير داخل الحزب الوليد، تعمق أثناء مؤتمره الأول وتشكيل هيئاته القيادية، وهو ما تم التعبير عنه داخل قاعة المؤتمر وأمام ولد عبد العزيز نفسه، الذي أعلن في الاجتماع تخليه عن رئاسة الحزب بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، إلا أن المؤتمرين المتذمرين حملوه مسؤولية كل ما جري أثناء المؤتمر، خاصة ما رأوا انه إقصاء لرموز سياسية ظلت في واجهة أحزاب السلطة وعدم مراعاة التوازنات الموريتانية.
ومنذ ذلك التاريخ وتداعيات هذا الامتعاض تتجذر وتتعمق وتطفو علي السطح سواء من خلال البيانات الكثيرة الصادرة عن هيئات وشخصيات منتمية لحزب الاتحاد من اجل الجمهورية، تطالب بحل قيادة الحزب التي تصفها بالعجز وبجميع الأوصاف الدالة على عدم القدرة علي القيادة، كما تجسدت في مشاركة أوساط واسعة من شباب الحزب في احتجاجات ساحة "ابلوكات" ترفع شعار "إصلاح النظام" وتجلي كذلك في اللوائح المستقلة في انتخابات التجديد الجزئي للشيوخ المؤجلة، والتي يرى العارفون بحقائق السياسة المحلية أنها كانت ستشكل نكسة للحزب الحاكم، من خلال فوز أغلب المنشقين عنه.
وتؤكد مصادر من داخل الحزب الحاكم ومقربين من ولد عبد العزيز، علي سوء العلاقة حاليا بين الطرفين ويقول مصدر طلب التكتم علي اسمه، بان رئيس الجمهورية وصل إلي قناعة بفشل مشروعه المجتمعي الذي كان يريد بناءه من خلال حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، واستدل علي ذلك بجملة من المسلمات منها عدم قدرة الحزب على استقطاب الشباب والنقابات وهما ما يخشي ولد عبد العزيز، أن يشكلا حطب وقود الثورة علي نظامه، كما قال المصدر ان ولد عبد العزيز ممتعض جدا من دور البرلمانيين الداعمين لنظامه ويعتبر أنهم فشلوا في التصدي لبرلمانيي المعارضة، الذين ـ علي قلتهم ـ حسب قوله يري انهم حولوا نقاشات البرلمان ومساءلات الوزراء إلي منابر لدعاية المعارضة ضد النظام والتأليب عليه.
وتتحدث أوساط واسعة هذه الأيام من داخل مبادرات شبابية دعمت ولد عبد العزيز في انقلابه وقالت أنها آمنت بخطابه الإصلاحي، عن فكرة تشكيل حزب سياسي تنصهر فيه هذه المبادرات التي عبرت في أكثر من مناسبة مؤخرا، عن سد أبواب الحزب الحاكم أمامها، وتتهم جماعة محدودة بالمسؤلية عن ذلك، كما تتهما باختطاف مشروع الحزب واستغلاله لمنافعها الشخصية.
وقالت مصادر من هذه المبادرات، إن ولد عبد العزيز، أكد لها في لقاء معه مؤخرا، انه لا يحمي أحدا في الحزب وان عليهم أن يبحثوا عن صيغة جامعة للشباب وسيساندهم في ذلك المسعى، وقد رد على أحد المتدخلين استدل علي سوء ممارسات الحزب ببعض الأمثلة التي عاشها بقوله، لماذا لا تستقيل من الحزب؟ ما الذي يفرضك علي البقاء في حزب هذه ممارساته؟ وهو ما يستنتج منه البعض، دعم ولد عبد العزيز لحالة التمرد داخل الحزب الحاكم والتي تفاقمت مؤخرا علي نفس وتيرة التمرد داخل حزب "عادل" في فترة حكم سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي كان يقوي بفعل مساندة ولد عبد العزيز والذي تؤكد القرائن انه وراء التحرك الجديد، كما اتضح حينها انه كان وراء الاول مع اختلاف في الطبقة السياسية، وذلك ما تمليه الظروف المحلية والإقليمية في الحالتين، إذ استخدم في الأولي البرلمان لكونه يريد التحضير للإطاحة برئيس منتخب ويستخدم اليوم الشباب لأنه هو رئيس منتخب ويخشي من ثورة الشباب عليه ويريد استقطابه والتضحية بأغلبيته التي لم يعد يطمئن لقدرتها علي حمايته من ثورات الشباب الجارفة، خاصة أننا نقترب من استحقاقات تشريعية وبلدية يحتمل أن يرشح لها ولد عبد العزيز مرشحين من الشباب، تجسيدا لوعده بتجديد الطبقة السياسية الذي بشر به مرارا في بداية حكمه ويتخلص بذلك من أغلبية تمن عليه أنها أوصلته للحكم.
ومن القرائن علي هذا الافتراض، موجة إقالات المسؤولين السامين في الحزب مؤخرا من مسؤولياتهم الحكومية وعدم لقاء ولد عبد العزيز بقيادات الحزب الحاكم وبأغلبيته البرلمانية منذ سنة تقريبا. أما بخصوص العلاقات مع أحزاب الأغلبية الأخرى داخل الإتلاف، فقد شكلت إقالة منت مكناس خيبة لتلك الأحزاب في مستقبل هذه العلاقات وقطعت عليهم متعة العيش على أمل الحصول علي منافع من دعمهم المجاني لولد عبد العزيز في جميع مراحله في السلطة من التحضير للانقلاب الي تنصيبهم له رئيسا منتخبا ديمقراطيا في رأيهم.
ولا يمكن الحديث عن سوء العلاقة بين ولد عبد العزيز وأغلبيته المؤيدة له، دون التطرق لقرار تأجيل انتخابات ثلث مجلس الشيوخ، التي طلب من أحزب الأغلبية التعبير عن رفض طلب المعارضة لها، وظلت تلك الأحزاب تعمل على حتمية تنظيم الانتخابات في موعدها، حتى أن الحزب الحاكم أوفد لجان حملاته الانتخابية إلى الدوائر المستهدفة بالتجديد، قبل أن يأتي القرار مفاجئا من مجلس الوزراء، دون ترتيب مع ألأغلبية أو حتى مجرد إشعار لها بتوجه السلطة نحو التأجيل، الذي علمت باقراره كما علم به خصومها السياسيون في البيان الصادر عن مجلس الوزراء، الأمر الذي أوضح بجلاء أن الأمر يتعلق بأغلبية مغيبة، لا تستشار ولا تستنصح.
خلافات الأغلبية البينية:
مما تقدم يمكن الجزم بان العلاقة اليوم بين ولد عبد العزيز وأغلبيته، متأزمة وانه ضاق بها ذرعا بعد أن أصبحت كتائب، أما العلاقات البينة داخل حلف "إتلاف أحزاب الأغلبية"، فلم تكن هي الأخرى ودية، حيث انقسمت علي محورين احدهما حمائم يمثله الحزب الحاكم ويضم الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم برئاسة الناها بنت مكناس، التي تتولي الرئاسة الدورية للإتلاف منذ ستة أشهر وحزب "حواء" برئاسة سهلة بنت احمد زايد ويعبر هذا المحور عن رضاه عن العلاقة الحالية بين الأغلبية والنظام ويرفض تعكيرها، اما المحور الثاني، صقور (معارض داخل الاغلبية) فيضم باقي احزاب الإتلاف (30)، بما فيها الحزب الجمهوري للديمقراطية وللتجديد والتجديد الديمقراطية وحاتم والفضيلة والحركة من اجل الانعتاق، الممثلين في البرلمان، فيطالب بتشكيل أغلبية سياسية قوية تتمتع بقاعدة واسعة مؤسسة على شراكة حقيقية مع النظام في تسيير الشان العام بما يمكنها من الدفاع عن استقرار البلاد وأمنها ومكتسباتها ويتهمون الاغلبية الحالية بانها غير منسجمة فيما بينها وفي علاقاتها بالسلطة التنفيذية ويطالبون بخلق مناخ سياسي ملائم يمكن من بناء ثقة بين الاغلبية والمعارضة يفضي لحوار وطني يطال جميع القضايا الوطنية الأساسية.
ويطالب محور الصقور منذ ستة أشهر بعقد جلسة لمجلس رئاسة الإتلاف لبحث واقع الأغلبية الا ان هذا الطلب ظل مرفوضا من طرف الرئاسة الدورية، التي يتهمونها بأنها الة في يد الحزب الحاكم وفي الثامن والعشرين من مارس المنصرم استدعي علي عجل لاجتماع لإتلاف الأغلبية للرد سلبا علي طلب المعارضة لتأجيل انتخابات ثلث الشيوخ الذي أحالته الحكومة لأحزاب الأغلبية من اجل رفضه للتذرع بذلك أمام المعارضة. إلا أن هذا الاجتماع تحول الي صراع قوي بين المحورين، حيث انتقد قادة محور الصقور، تعامل الحكومة مع الاغلبية، وانتقدوا استبداد محور الحمائم بتسيير الإتلاف، كما رفضوا البت في طلب التأجيل لكونه موجه للحكومة، التي قالوا إن عليها ان تقبله كتعبير عن حسن نية اتجاه المعارضة في إطار تسهيل الحوار معها، وطالبوا في المقابل أن يبحث الاجتماع المواضيع التي طالبوا منذ ستة اشهر بعقد اجتماع حولها.
إلا أن رئيس الحزب الحاكم ونائب بنت مكناس الذي يترأس الاجتماع أصرا علي رفض تأجيل الانتخابات وقبلا بحث الأمور الأخرى في اجتماع لاحق حدد له منتصف السبت الثاني فبراير الجاري وقبل موعد الاجتماع بنصف ساعة ابلغ من حضر مكان الاجتماع بإلغائه دون إعطاء أي سبب لذلك. وعلي اثر هذا الإلغاء اجتمع عدد من رؤساء أحزاب محور الصقور من بينهم عثمان ولد الشيخ ابي المعالي، رئيس حزب الفضيلة وصالح ولد حنن رئيس حزب حاتم والمصطفي ولد عبيد الرحمن رئيس حزب التجديد الديمقراطي وآخرين واتفقوا علي حزمة من الإجراءات، رأوا أن حالة البلاد الداخلية والأوضاع الإقليمية، تستوجب من الدولة اتخاذها بصورة عاجلة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والسياسية وقرروا الاتصال بجميع أطراف الأغلبية داخل الائتلاف وخارجه وكذلك المعارضة من اجل تبني هذه الاقتراحات، التي يدافعون عنها كوصفة علاج لأوضاع البلاد الحالية الناجمة عن تراكمات عقود من الأحكام الفردية والظلم الاجتماعي، كما يقولون لمن التقوا بهم حتى الآن.
وحسب مصادر بعض الأحزاب التي ناقش معها المعنيون مقترحاتهم فان هذه الاجراءات تتضمن، انتهاج سياسة اكثر شفافية في تسيير المال العام وفي الاكتتاب والتعيينات وتوزيع الثروة الوطنية وخلق مشاريع تنموية مدرة للدخل وتوفر فرص التشغيل إضافة إلي تسوية عادلة ونهائية لملف المبعدين والإرث الإنساني وانصاف جميع المتضررين العسكريين وفرض كافة اجهزة الدولة علي السهر علي تطبيق القانون المجرم للاستعباد وسن سياسة متعددة الجوانب لدمج ضحايا الاسترقاق في الحياة النشطة وشملت هذه الإجراءات.
كما تضمنت هذه الإجراءات، مراجعة للدستور بما يضمن الابتعاد عم الحكم الفردي بتوسيع صلاحيات البرلمان والوزير الاول ومراجعة قانون الانتخابات بما يوسع دائرة النسبية ومراجعة قانون الأحزاب وإلغاء الترشحات الحرة والترحال السياسي وخلق لائحة وطنية خاصة بالنساء الي جانب اللائحة الوطنية الحالية ورسم إستراتيجية أمنية منبثقة عن إجماع وطني لمواجهة أخطار الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، كما يقترح المعارضون داخل الاغلبية، ضمان حياد الدولة امام كافة الفرقاء السياسيين وابتعاد المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي.
وفي هذه القراءة للخريطة السياسية، سأسلط الضوء علي واقع الأغلبية وخلافاتها، وذلك سعيا مني إلى الإسهام في إنارة الرأي العام الوطني حول الواقع السياسي الوطني، الذي تمثل الأغلبية والمعارضة مشهده الأساس.
وفي بداية هذه القراءة اذكر بان هذه الأغلبية ـ التي لم تكن استثناء عن سابقاتها التي كانت تلعب دور الدركي دفاعا عن الحاكم فى وجه معارضيه ـ تأسست في بدايتها من الأحزاب التي ساندت ولد عبد العزيز في انقلابه علي ولد الشيخ عبد الله، إضافة إلي البرلمانيين المغاضبين، "شماعة" هذا الانقلاب، (قبل أن يؤسسوا حزب الاتحاد من اجل الجمهورية الحاكم، المهمشين اليوم داخله، حسب ما يقول بعض العارفين بداهليز الحزب)، حيث ساند هؤلاء ترشح ولد عبد العزيز في انتخابات 2009 وفي مفاوضات دكار، ولعب قادتها قبل ذلك أدوارا أساسية، خارجية وداخلية لجلب لاعتراف بسلطة انقلاب السادس من أغسطس 2008، التي شهدت معارضة غير مسبوقة علي المستويين الداخلي والخارجي، وذلك قبل أن تنضوي هذه الأحزاب مجتمعة في حلف "إتلاف أحزاب الأغلبية"، الذي يصفه خصومه بأنه ليس "حلف فضول"، نظرا للتباينات الجوهرية في الزمان والمكان والأهداف بينه مع حلف المطيبين العرب قبل الإسلام ولكونه ـ حسب الخصوم ـ لم يحضره "فضل" من ألائك الذين بحضورهم، سمي عليهم الحلف العربى، حسب بعض الروايات.
أسس العلاقة بين ولد عبد العزيز وأغلبيته بعد الانقلاب:
تأسست هذه العلاقة علي أساس توصية صادقت عليها الجمعية الوطنية في دورة طارئة انعقدت في شهر سبتمبر 2008، قاطعها نواب الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية (حضرها نواب حزب "التكتل")، تبرر الانقلاب علي ولد الشيخ عبد الله وتحدد خريطة للعودة للحيات الدستورية في ظرف لا يتجاوز 14 شهرا، وقد جذرت توصيات المنتديات العامة للديمقراطية التي نظمت في نواكشوط ما بين 27 دجمبر 2008 و 5 يناير 2009، علاقة الطرفين باعتبار هذه التوصيات قد تضمنت إصلاحات دستورية وسياسية تعمق النظام الديمقراطي ودور الأحزاب فيه وتعزز المؤسسات الدستورية وتقلص الفترة الانتقالية إلي ستة أشهر.
وشهدت هذه العلاقات، ذروة عزها أثناء مفاوضات دكار ومقارعة ولد عبد العزيز ومن شايعوه، محاولات جبهة الدفاع عن الديمقراطية استعادة ولد الشيخ عبد الله للسلطة، وتعززت تلك العلاقة، أكثر أثناء الحملات الرئاسية في انتخابات 6/6 (المفترضة) وانتخابات 18 يوليو 2009، مع أن قادة تشكيلات الأغلبية يجمعون على أن دورهم في هذه الأمور لم يتعد الجانب الديكوري، حيث لم يستشاروا في بنود الاتفاق ولا في تأجيل الانتخابات من 6/6 الي 18/7 ولا في برامج الحملات الانتخابية وقد برر أحدهم ذلك بأن المرحلة كانت لا تسمح بإظهار أي نوع من الخلافات داخل الأغلبية لحساسية الظرفية.
بداية خلافات الأغلبية مع ولد عبد العزيز:
شكل إعلان أول حكومة بعد انتخابات 18 يوليو الرئاسة، الشرارة الأولي لهذه الخلافات علي خلفية اقتصار تمثيل أحزاب الأغلبية فيها، خارج الحزب الحاكم، علي حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم (حزب بنت مكناس) التي أسندت لها حقيبة الخارجية ولعضو حزبها سي ادما حقيبة الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبرته الأحزاب الأخرى ظلما لها وعدم وفاء من رئيس الجمهورية ببنود الاتفاق التي علي أسساها ساندوه، ولم تسلم أوساط قيادية في الحزب الحاكم من هذا الامتعاض والشعور بالظلم والحيف، حيث رأت هذه الأوساط أن تمثيل الحزب في الحكومة لم يتم علي أساس اعتبارات موضوعية، لا من الناحية السياسية ولا الجهوية ولا الإتنية وقد تولد عن ذلك تذمر كبير داخل الحزب الوليد، تعمق أثناء مؤتمره الأول وتشكيل هيئاته القيادية، وهو ما تم التعبير عنه داخل قاعة المؤتمر وأمام ولد عبد العزيز نفسه، الذي أعلن في الاجتماع تخليه عن رئاسة الحزب بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، إلا أن المؤتمرين المتذمرين حملوه مسؤولية كل ما جري أثناء المؤتمر، خاصة ما رأوا انه إقصاء لرموز سياسية ظلت في واجهة أحزاب السلطة وعدم مراعاة التوازنات الموريتانية.
ومنذ ذلك التاريخ وتداعيات هذا الامتعاض تتجذر وتتعمق وتطفو علي السطح سواء من خلال البيانات الكثيرة الصادرة عن هيئات وشخصيات منتمية لحزب الاتحاد من اجل الجمهورية، تطالب بحل قيادة الحزب التي تصفها بالعجز وبجميع الأوصاف الدالة على عدم القدرة علي القيادة، كما تجسدت في مشاركة أوساط واسعة من شباب الحزب في احتجاجات ساحة "ابلوكات" ترفع شعار "إصلاح النظام" وتجلي كذلك في اللوائح المستقلة في انتخابات التجديد الجزئي للشيوخ المؤجلة، والتي يرى العارفون بحقائق السياسة المحلية أنها كانت ستشكل نكسة للحزب الحاكم، من خلال فوز أغلب المنشقين عنه.
وتؤكد مصادر من داخل الحزب الحاكم ومقربين من ولد عبد العزيز، علي سوء العلاقة حاليا بين الطرفين ويقول مصدر طلب التكتم علي اسمه، بان رئيس الجمهورية وصل إلي قناعة بفشل مشروعه المجتمعي الذي كان يريد بناءه من خلال حزب الاتحاد من اجل الجمهورية، واستدل علي ذلك بجملة من المسلمات منها عدم قدرة الحزب على استقطاب الشباب والنقابات وهما ما يخشي ولد عبد العزيز، أن يشكلا حطب وقود الثورة علي نظامه، كما قال المصدر ان ولد عبد العزيز ممتعض جدا من دور البرلمانيين الداعمين لنظامه ويعتبر أنهم فشلوا في التصدي لبرلمانيي المعارضة، الذين ـ علي قلتهم ـ حسب قوله يري انهم حولوا نقاشات البرلمان ومساءلات الوزراء إلي منابر لدعاية المعارضة ضد النظام والتأليب عليه.
وتتحدث أوساط واسعة هذه الأيام من داخل مبادرات شبابية دعمت ولد عبد العزيز في انقلابه وقالت أنها آمنت بخطابه الإصلاحي، عن فكرة تشكيل حزب سياسي تنصهر فيه هذه المبادرات التي عبرت في أكثر من مناسبة مؤخرا، عن سد أبواب الحزب الحاكم أمامها، وتتهم جماعة محدودة بالمسؤلية عن ذلك، كما تتهما باختطاف مشروع الحزب واستغلاله لمنافعها الشخصية.
وقالت مصادر من هذه المبادرات، إن ولد عبد العزيز، أكد لها في لقاء معه مؤخرا، انه لا يحمي أحدا في الحزب وان عليهم أن يبحثوا عن صيغة جامعة للشباب وسيساندهم في ذلك المسعى، وقد رد على أحد المتدخلين استدل علي سوء ممارسات الحزب ببعض الأمثلة التي عاشها بقوله، لماذا لا تستقيل من الحزب؟ ما الذي يفرضك علي البقاء في حزب هذه ممارساته؟ وهو ما يستنتج منه البعض، دعم ولد عبد العزيز لحالة التمرد داخل الحزب الحاكم والتي تفاقمت مؤخرا علي نفس وتيرة التمرد داخل حزب "عادل" في فترة حكم سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي كان يقوي بفعل مساندة ولد عبد العزيز والذي تؤكد القرائن انه وراء التحرك الجديد، كما اتضح حينها انه كان وراء الاول مع اختلاف في الطبقة السياسية، وذلك ما تمليه الظروف المحلية والإقليمية في الحالتين، إذ استخدم في الأولي البرلمان لكونه يريد التحضير للإطاحة برئيس منتخب ويستخدم اليوم الشباب لأنه هو رئيس منتخب ويخشي من ثورة الشباب عليه ويريد استقطابه والتضحية بأغلبيته التي لم يعد يطمئن لقدرتها علي حمايته من ثورات الشباب الجارفة، خاصة أننا نقترب من استحقاقات تشريعية وبلدية يحتمل أن يرشح لها ولد عبد العزيز مرشحين من الشباب، تجسيدا لوعده بتجديد الطبقة السياسية الذي بشر به مرارا في بداية حكمه ويتخلص بذلك من أغلبية تمن عليه أنها أوصلته للحكم.
ومن القرائن علي هذا الافتراض، موجة إقالات المسؤولين السامين في الحزب مؤخرا من مسؤولياتهم الحكومية وعدم لقاء ولد عبد العزيز بقيادات الحزب الحاكم وبأغلبيته البرلمانية منذ سنة تقريبا. أما بخصوص العلاقات مع أحزاب الأغلبية الأخرى داخل الإتلاف، فقد شكلت إقالة منت مكناس خيبة لتلك الأحزاب في مستقبل هذه العلاقات وقطعت عليهم متعة العيش على أمل الحصول علي منافع من دعمهم المجاني لولد عبد العزيز في جميع مراحله في السلطة من التحضير للانقلاب الي تنصيبهم له رئيسا منتخبا ديمقراطيا في رأيهم.
ولا يمكن الحديث عن سوء العلاقة بين ولد عبد العزيز وأغلبيته المؤيدة له، دون التطرق لقرار تأجيل انتخابات ثلث مجلس الشيوخ، التي طلب من أحزب الأغلبية التعبير عن رفض طلب المعارضة لها، وظلت تلك الأحزاب تعمل على حتمية تنظيم الانتخابات في موعدها، حتى أن الحزب الحاكم أوفد لجان حملاته الانتخابية إلى الدوائر المستهدفة بالتجديد، قبل أن يأتي القرار مفاجئا من مجلس الوزراء، دون ترتيب مع ألأغلبية أو حتى مجرد إشعار لها بتوجه السلطة نحو التأجيل، الذي علمت باقراره كما علم به خصومها السياسيون في البيان الصادر عن مجلس الوزراء، الأمر الذي أوضح بجلاء أن الأمر يتعلق بأغلبية مغيبة، لا تستشار ولا تستنصح.
خلافات الأغلبية البينية:
مما تقدم يمكن الجزم بان العلاقة اليوم بين ولد عبد العزيز وأغلبيته، متأزمة وانه ضاق بها ذرعا بعد أن أصبحت كتائب، أما العلاقات البينة داخل حلف "إتلاف أحزاب الأغلبية"، فلم تكن هي الأخرى ودية، حيث انقسمت علي محورين احدهما حمائم يمثله الحزب الحاكم ويضم الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم برئاسة الناها بنت مكناس، التي تتولي الرئاسة الدورية للإتلاف منذ ستة أشهر وحزب "حواء" برئاسة سهلة بنت احمد زايد ويعبر هذا المحور عن رضاه عن العلاقة الحالية بين الأغلبية والنظام ويرفض تعكيرها، اما المحور الثاني، صقور (معارض داخل الاغلبية) فيضم باقي احزاب الإتلاف (30)، بما فيها الحزب الجمهوري للديمقراطية وللتجديد والتجديد الديمقراطية وحاتم والفضيلة والحركة من اجل الانعتاق، الممثلين في البرلمان، فيطالب بتشكيل أغلبية سياسية قوية تتمتع بقاعدة واسعة مؤسسة على شراكة حقيقية مع النظام في تسيير الشان العام بما يمكنها من الدفاع عن استقرار البلاد وأمنها ومكتسباتها ويتهمون الاغلبية الحالية بانها غير منسجمة فيما بينها وفي علاقاتها بالسلطة التنفيذية ويطالبون بخلق مناخ سياسي ملائم يمكن من بناء ثقة بين الاغلبية والمعارضة يفضي لحوار وطني يطال جميع القضايا الوطنية الأساسية.
ويطالب محور الصقور منذ ستة أشهر بعقد جلسة لمجلس رئاسة الإتلاف لبحث واقع الأغلبية الا ان هذا الطلب ظل مرفوضا من طرف الرئاسة الدورية، التي يتهمونها بأنها الة في يد الحزب الحاكم وفي الثامن والعشرين من مارس المنصرم استدعي علي عجل لاجتماع لإتلاف الأغلبية للرد سلبا علي طلب المعارضة لتأجيل انتخابات ثلث الشيوخ الذي أحالته الحكومة لأحزاب الأغلبية من اجل رفضه للتذرع بذلك أمام المعارضة. إلا أن هذا الاجتماع تحول الي صراع قوي بين المحورين، حيث انتقد قادة محور الصقور، تعامل الحكومة مع الاغلبية، وانتقدوا استبداد محور الحمائم بتسيير الإتلاف، كما رفضوا البت في طلب التأجيل لكونه موجه للحكومة، التي قالوا إن عليها ان تقبله كتعبير عن حسن نية اتجاه المعارضة في إطار تسهيل الحوار معها، وطالبوا في المقابل أن يبحث الاجتماع المواضيع التي طالبوا منذ ستة اشهر بعقد اجتماع حولها.
إلا أن رئيس الحزب الحاكم ونائب بنت مكناس الذي يترأس الاجتماع أصرا علي رفض تأجيل الانتخابات وقبلا بحث الأمور الأخرى في اجتماع لاحق حدد له منتصف السبت الثاني فبراير الجاري وقبل موعد الاجتماع بنصف ساعة ابلغ من حضر مكان الاجتماع بإلغائه دون إعطاء أي سبب لذلك. وعلي اثر هذا الإلغاء اجتمع عدد من رؤساء أحزاب محور الصقور من بينهم عثمان ولد الشيخ ابي المعالي، رئيس حزب الفضيلة وصالح ولد حنن رئيس حزب حاتم والمصطفي ولد عبيد الرحمن رئيس حزب التجديد الديمقراطي وآخرين واتفقوا علي حزمة من الإجراءات، رأوا أن حالة البلاد الداخلية والأوضاع الإقليمية، تستوجب من الدولة اتخاذها بصورة عاجلة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والسياسية وقرروا الاتصال بجميع أطراف الأغلبية داخل الائتلاف وخارجه وكذلك المعارضة من اجل تبني هذه الاقتراحات، التي يدافعون عنها كوصفة علاج لأوضاع البلاد الحالية الناجمة عن تراكمات عقود من الأحكام الفردية والظلم الاجتماعي، كما يقولون لمن التقوا بهم حتى الآن.
وحسب مصادر بعض الأحزاب التي ناقش معها المعنيون مقترحاتهم فان هذه الاجراءات تتضمن، انتهاج سياسة اكثر شفافية في تسيير المال العام وفي الاكتتاب والتعيينات وتوزيع الثروة الوطنية وخلق مشاريع تنموية مدرة للدخل وتوفر فرص التشغيل إضافة إلي تسوية عادلة ونهائية لملف المبعدين والإرث الإنساني وانصاف جميع المتضررين العسكريين وفرض كافة اجهزة الدولة علي السهر علي تطبيق القانون المجرم للاستعباد وسن سياسة متعددة الجوانب لدمج ضحايا الاسترقاق في الحياة النشطة وشملت هذه الإجراءات.
كما تضمنت هذه الإجراءات، مراجعة للدستور بما يضمن الابتعاد عم الحكم الفردي بتوسيع صلاحيات البرلمان والوزير الاول ومراجعة قانون الانتخابات بما يوسع دائرة النسبية ومراجعة قانون الأحزاب وإلغاء الترشحات الحرة والترحال السياسي وخلق لائحة وطنية خاصة بالنساء الي جانب اللائحة الوطنية الحالية ورسم إستراتيجية أمنية منبثقة عن إجماع وطني لمواجهة أخطار الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، كما يقترح المعارضون داخل الاغلبية، ضمان حياد الدولة امام كافة الفرقاء السياسيين وابتعاد المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسي.
كتبت هذا الموضوع بتاريخ 04/11/2011
وقد ذكرتني به التجاذبات الحالية داخل الاغلبية.
وقد ذكرتني به التجاذبات الحالية داخل الاغلبية.
مأموني ولد مختار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق