إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، حيث إن نزوع الإنسان الفرد إلى الجماعة والانخراط في المؤسسات الاجتماعية المختلفة،
وغني عن القول: إن دوائر الانتماء في حياة الإنسان تتعدد، بتعدد الإنتماءات الفطرية (الطبيعية) في الإنسان، فهو ينتمي إلى أسرة وعشيرة وقوم، وفي الدائرة الأوسع إلى عقيدة ودين .
والانتماء إلى الوطن، أحد دوائر الانتماء الطبيعية في حياة الإنسان، فكما أن الإنسان ينتمي إلى أسرة وقوم، هو كذلك ينتمي إلى أرض ووطن.
لهذا فإن غياب الأمن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المطلوب، هو الذي يدفع بالإنسان إلى عملية الهجرة إلى الخارج، إما طلباً لأمن اجتماعي مفقود في وطنه، أو طلباً للرزق والمعاش.. إن المواطن الذي لا يعيش الأمن والأمان، ويمارس الواقع السيئ دوره التخريبي اتجاهه، فإنه يمارس بسلوكه ومواقفه هجرة داخلية، بحيث إنه يتحول إلى كائن سلبي لا يتعاطى إيجابياً مع أي شأن من شؤون البلاد .
و الخطر الحقيقي الذي يواجه أي مجتمع بشري، ليس في حركة الهجرة البشرية إلى الخارج، لأنها هجرة من أجل مواصلة مشوار التعليم والدراسة، أو من أجل البحث عن فرصة عمل، وبالتالي فإن لهذه الهجرة تأثيراتها الإيجابية على الموطن الأصلي للمواطن. وإنما يكمن الخطر في الهجرة داخل الحدود والهروب من الالتزام بالمسؤوليات الاجتماعية والوطنية. لأنها هجرة تحوّل المرء إلى طاقة مهدورة، لا تشترك في البناء وإنما في الهدم، وهذا ليس بفعل نقصان الوعي أو أمية الإنسان، وإنما بسبب ظلم الوطن لهذا الإنسان. وظلم الوطن يعني غياب فرص النمو الطبيعية لهذا الإنسان لأسباب عرضية إما تاريخية أو معاصرة.
الوحدة الوطنية، لا تتوفر بإلغاء كل عناوين التنوع التاريخية والطبيعية الموجودة في المجتمع. وإنما تتوفر عبر احترام الحقائق التاريخية والاجتماعية الموجودة في المجتمع، وذات التأثير المباشر في حاضره. والاحترام هنا لا يعني الإشادة بذلك التنوع المجتمعي في خطبة تقال أو مقال يكتب أو تصريح يذاع، وإنما هو سلوك فعلي يشمل كل مناحي الحياة، بحيث أن لا تكون هذه الحقائق حائلاً دون تحقيق عناصر المواطنة الكاملة للإنسان..
فالمنظور الجوهري الذي ينجز الوحدة الوطنية، هو المنظور الذي يؤكد على وحدة المواطنين. وذلك لأن الحقائق التاريخية ليست بديلاً عن الوطن. كما أن الانتماء إلى الوطن لا يأخذ أبعاده الإيجابية، إلا إذا كان متسقاً مع سياق الحقائق التاريخية للإنسان.
وبهذا تتحد وتتساوق مصلحة الوطن مع مصلحة المواطن، بحيث إن أي عمل يتجه إلى الإضرار بالمواطنين حاضراً ومستقبلاً، هو في حقيقة الأمر إضرار بالوطن. لأننا لا نتصور وطناً بلا مواطنين.
ومن أجل هذا المنظور، تتأكد ضرورة الإعلاء من شأن تلك الأخلاقية، التي تدفع باتجاه العيش المشترك على قاعدة احترام الخصوصيات والحقائق الاجتماعية والثقافية المتعددة
والوحدة الوطنية باختصار هي اعترافنا وتثميننا لثقافة كل مكونات الوطن ، دون إقصاء لأي طرف منها .
بقلم شيخنا ولد الناتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق