الصفحات

الخميس، 16 نوفمبر 2017

الشرائح و المظالم ...الوزر و الوازرة

 

طيلة السنوات الفارطة كتبت في هذا الموضوع ،و رفعت ستار "الممنوع" عنه و تناولته من وجهتين: الأولى ذكر الحقائق والثانية إنصاف الفئة ،كل فئة من منظور متعدد الزوايا والاركان باعتباره موقفا صارما إلى جانب الحق والحق فقط ، وقد كانت ردود الفعل على تلك المقاربات من بعض الفئات المعنية في غاية الجودة والتجاوب ،بينما قابلها البعض بالصمت المطبق ، ولاسيما من المثقفين الجدد، ربما لأن أغلبهم ـ للأسف ــ يتحاشى المطبات و يعتبرُ المغنم أولى...

فلنبسط القول في المسالة الفئوية ....
في كل مجتمعات بني الإنسان شرائح و طبقات و تراتبية ، وترتيب الناس على ما سوى الجدارة في عمل الخير والعلم و التقوى فعل ظالم ومُجَرَّم بالفطرة الإنسانية السليمة ، ومناقض لحقائق الأشياء و طبيعتها .
وقد جاءت الشرائع السماوية كلُّها، والثورات الأرضية جلُّها ،لإزالة الظلم و إحقاق حقوق المستضعفين بالحرية والإنعتاق من كافة المظالم الجسدية والمعنوية الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية .
وموريتانيا ــ كغيرها ــ من دول العالم و مجتمعاته عرفتْ الظلم والغبن و التمييز على أساس المحتد تارة ، والقوة أخرى ، وتأخرت هذه الممارسات الظالمة فيها إلى ما بعد دولة الإستقلال ـ برغم الترسانة التشريعية من دستور وقوانين وأحكام ـ نتيجة للتخلف الفكري و العلمي والتقني وانغلاق المجتمع عن التأثيرات الخارجية.
ومع تنامي الممارسة السياسية المؤدلجة ظهرت حركات انعتاقية كبرى كان لها كبير الأثر في نشر الوعي التحرري و النضال الحقوقي ،بجدارة، تدفعها الوطنية الحقة والشعور بالآخر الشريك في الوطن و تحملت قضيته كقضية وطنية إنسانية عادلة ،بعيداً عن أي تعصب فئوي أو شرائحي أو طبقي...
لكن تحويل قضايا المظالم الفئوية إلى حالة عنصرية و عصبية جديدة وعزلها عنبقيةالفئات المهمشة المظلومة الأخرى،بغية خلق مكون إتني جديد ، هي دعوة مرفوضة لأنها تهدم كيانا واحدا وتخترقه أفقيا لتمزقه رغم أنه موحد لغة وعادات و تقاليد و أنماط سلوك ومنظومة قيم و آدابا و فنونا و مرويات و أحاجي ومذهبا و تاريخا وانتماءات قبلية..
ولأن الإنتماء لا يحصل باللون و لا بالطبقة و لابتماثل المعاناة ، لأنها حالات متبدلة بتغير الوضع المادي و العلمي لصاحبها ، فإن المراهنة عليها خاسرة بشواهد التاريخ حديثه و قديمه.
صحيح أن التعبئة على كراهية الشريك في الوطن والدين وتحميله مظالم من موروثات طبائع المجتمعات القديمة، و شحن النفوس بالحقد والأوهام المريضة ،قد يولد انفجارات تسبب مآسي و تُجدِّدُ مظالم أخطر وقد تستبدل ظالما بظالم جديد وتورث أحقادا مستجدة وتهيئ لدوامة من الإنتقام والإنتقام المضاد أشدُّ فتكا و أخطر أثراً من تلك التي كانت في حكم المنتهية بحتمية انتفاء ظروفها الموضوعية. و ستخمد الإنفجارات ،حتماً، وستقوي اللحمة و تنصهر الوحدة في بوتقة تزيدها صلابة ، وكذلك المعدن النفيس ، بعد انطفاء الحريق و هلاك مُسببيه . ذلك هوالدرس المستفاد من تاريخ مآسي الشعوب بعدمايفنى مشعلو الحرائق في أتون ماجنت أيديهم.
عندها سيتضح للناس أن الهدَف لم يكن عتقا و لا عدلا لفئة وإنما هو زعزعة وحدة المكون الأساس للشعب الموريتاني أي الكتلة الصلبة الناطقة بلغة القرآن الكريم ودقِّ إسفين من الكراهية بين شرائحها و فئاتها .
وإلا فلماذا لا يشمل الحراك الأرقاء الحاليين و الحدادين والأقنان و الصيادين و مزارعي السخرة و القوالين من القوميات الأخرى التي من بينها من يفرق بين الفئات في الحياة وفي الموت و العبادات ؟أم أن لعبة وحدة اللون هنا تسمح بما لا يسمح به اختلافه؟
من هنا و تأسيسا عليه ، فإننا ،وقد مارسنا النضال منذ الحلم من أجل حلم واحد لكنه عريض هو تحقيق الحرية والعدالة و المساواة و الكرامة والتكافل الاجتماعي الذي يضمن حق المواطن في العمل والعلم والصحة و الفرح دون فئوية أو تراتبية أو تسلط ، في إطار الوحدة الوطنية الشاملة العادلة الجامعة للشعب الموريتاني التي تصون هويته الحضارية الجامعة الضامنة لحق كل مكون في تميزه الذي يحفظ له ذاته دون نقص أو طغيان ، نؤكد على :
*أن رفع ما تقدم من الحيف التاريخي اللاحق بكافة الفئات :أرقاء سابقين ومعلمين وحمريين و لحمة ومرابطيين و إيمراقن و نمادي و خدام تأبير..
وما تأخّر: كوضع فقراء أحياء الصفيح و سكان الارياف وعمال المياومة و الكفاءات المعطلة... ليس برنامج مرشح ولا خيار حزب و لامكاسب معارضة...
*و مطالبة الدولة باستعمال كافة أدوات الفعل الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي و الديني في مسارمقصده الأسمى رفع الظلم من غير انتقاء و لا إقصاء ليست استجداء فضل حاكم ولا مبرة من مُحسن..
و إنما هي مطالب شعب وحقوق مواطنين لامساومة فيها و لا تنازل عنها .

* و ان الأخطار المحدقة بالبلاد داخليا و خارجيا تتطلب موقفا غير قابل للتأجيل والشعب الموريتاني وحده هو القادر على اتخاذه والدفاع عنه ..
و على من يجد في نفسه الأهلية للتجاوب مع آمال و آلام شعبه أن يهيئ ــ على وجه الاستعجال الذي لايتنافى مع الرويةــ مؤتمر وحدة وطنية تأسيسيا لا يستثني أحدا و لايحجر على رأي إلا بكتاب .

و بنفس الإلحاح على الطلائع المستنيرة من كافة مكونات الوطن والمجتمع أحزابا و منظمات و أسماء مرجعية ،ممارسة دورها لإنجاز مطالب الجماهير المظلومة صاحبة الحق الحصري في إرادتها و صنع غدها الوضاء...
*وبعدُ...
فإن أخطر ما يواجه البلد هو غياب المنظومة السياسية والأخلاقية التي تنظم مجال الخلاف وقواعد الاختلاف ،وتحدد الثوابت التي لا يجوز المساس بها باعتبارها جوهر الكيان الوطني المقدس ، وتلك ، منوطة ،شرطيا، بالهيئة الناظمة المؤتمنة المُهابة المَهيبة بالعدل و الصدق والوازع الديني و الحس الوطني واليقين بما بعد الموت.
حمى الله شعب موريتانيا من كل مكروه .
 ناجي محمد الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق