الصفحات

الثلاثاء، 28 يوليو 2020

"النسوية " قراءة في دلالة التسمية ( الحلقة الثالثة )




  وانطلاقا مما سبق يجب التنبيه إلى أن الحركة النسوية في العالم العربي قد تعدّدت اتجاهاتها وتنوعت مشاربها لتشمل الإسلامية والقومية والعلمانية ولليبرالية.. وتعززت الحركة أكثر في النصف الأخير من القرن العشرين بوجود مؤلِّفات نسويات قد قدّمن نظريات جريئة في نقد السلطة الذكورية والتراث الإسلامي، قد لا نتفق معهن في بعض ملامح خطابهن، لكنّ ذلك لا يمنعنا من كلمة حق في دورهن في زحزحة الصورة النمطية للمرأة في الذهنية الاجتماعية..
    وقد جاء التعبير بصيَغ مختلفة فكانت وسائل الإعلام والشعر والسرد والمسرح والمجتمع المدني .. كلها وسائل عبرت من خلالها المرأة العربية خاصة في النصف الأخير من القرن المنصرم. وحينما أصبحت الحركة النسوية في العالم الإسلامي والعربي بحاجة لتغيير خطابها أو إدخال الجانب العلمي من الرؤية الدينية لكي تلائم التوجه العام لمجتمعات دولها ذات الخلفية الإسلامية، خاصة وأن الدوائر التقليدية رفضت خطاب الحركات النسوية النضالية؛ مما أسهم بشكل كبير في ضرورة بروز نخبة نسائية وأخرى رجالية قدمت بحوثا ومؤلفات في إنصاف المرأة، وقد شارك في ذلك علماء كبار مثل الشيخ محمد الغزالي(1917- 1996) الذي خصص لموضوع المرأة حيزا كبيرا من علمه ودعوته لتحريرها بالعلم، وذهب بعيدا حتى أجاز لها الولاية الكبرى حين اعتبر أنه لم ينزل نص قرآني في منعها. تمكن العودة لكتبه:" المرأة في الإسلام" وكذلك:" قضايا المرأة" وكذلك:" الإسلام المفترى عليه".
      وكذلك ألف عبد الحليم أبو شقة (1924-1995) كتابه الذي يتألف من ثلاثة مجلدّات:" تحرير المرأة في عصر الرسالة" وفي الجانب النسوي ألفت مهنا فريال كتابها: "إسلام أم ملك يمين" وألفت فاطمة المرنيسي (1940-2015)عدة كتب في نقد التراث الإسلامي منها مثلا: "سلطانات منسيات" وكذلك: "ونساء الحريم" وغير هذا كثير قد لا يتسع المقالم لذكر الكتب والمؤلفات التي عالجت الموضوع منذ النصف الأخير من القرن الماضي والذي شهدت فيه الحركات النسوية والعربية بمختلف تياراتها إدخال عنصر التأليف والمحاججة العلمية التي كانت قراءة وتأويل النصوص الدينية غرضها، وقد ألف مفكرون وكتاب في الموضوع من زاوية أخرى مثل نصر حامد أبو زيد(1943-2010) في كتابه المثير للجدل: "المرأة في خطاب الأزمة) وكذلك كتاب (دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة).
     وهنا ستعرف ساحة النضال النسوي العربي بروز تيارين كان لهما الأثر البالغ في بعض الإصلاحات التي حصلت عليها المرأة مثل "الكوتا" وبعض الامتيازات الأخرى، وهذا لا يعني إطلاقا عدم جدوائية الحركات النسوية الأخرى لأن النضال والمطالبة بالحق تقتضي تنوع وتعدد الآليات عساها تخفّف من وطأة الظلم والحيف.. والكلام هنا مقتصر على النسوية الإسلامية مراعاة للظرف المحلي ونحن نشهد أكبر مزايدة علينا في الدين بها يرفض قانون لحمايتنا من البطش باسم الدين !!.
       لقد انقسمت النسوية الإسلامية إلى تيارين: تيار سمى نفسه: التيار النسائي الإسلامي:" التيار النسائي الإسلامي شديد الحرص على إثبات هويته الإسلامية بدءا من المصطلح "النسائي" نسبة إلى النساء، وهي أيضا اسم سورة من أطول سور القرآن الكريم، وتمييزا له عن مصطلح التيار النسوي . وترى صاحبات هذا التيار أن الالتزام بأحكام الإسلام المتعلقة بالمرأة كجزء من الالتزام العام بالنظام الإسلامي بشموليته كفيل بحل كل المشكلات والتحديات التي تواجهها النساء".
       وظل هذا التيار بحفاظه على المنظومة الشرعية التي تمثلها الدوائر التقليدية وخوفه من تهمة التغريب حبيسا لمرجعية العقلية الذكورية التي صمّمت للمرأة وظيفة وقيّدتها داخل تلك الحدود المرسومة لها سلفا، كتعليم الصغار وتطبيب النساء، ومن الغريب جدا أنك تجد من يدافع عن هذه التنازلات بأنها إصلاحات للمنظومة الاجتماعية يجب تثمينها، والأغرب من ذلك أن بعض النساء يعتقدن أن غير هذه الوظائف لا يليق بالنساء دينيّا.. !!
" المشكلة هنا يمكن إثارتها من خلال مقاومة العديد من النساء لأي حركة تحررية ضد هيمنة النظام الأبوي، فهن غالبا ما يعتمدن الحفاظ على بنية النظام الأبوي".
       أما التيار الثاني فقد تسمّى بــ: "النسوية الإسلامية" وقد قادت هذا التيار نخبة نسائية من العالم الإسلامي والعربي وقد تصدرت التنظير له أستاذات وباحثات:" وهو التيار الذي آمن بالفكرة النسوية بوجه عام ورأى أنها ليست نتاجا غربيا، وإنما هي أفكار تكوّنت عبر نضال النساء على مدار التاريخ إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه .. يرفض هذا التيار الفكر النسوي المتطرف الذي يعتمد على هدم كل آليات المعرفة السابقة ويؤمن بأطروحة "الجندر" أو النوع الاجتماعي ويتعاطى معها بإيجابية، وترى رموز هذا التيار أنه لا تعارض بين الفكر الإسلامي وبين الفكر النسوي أو أطروحة الجندر"...
يتـــواصـــل...
د\تربة بنت عمّار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق