كان الوقت خريفا؛ أغلب سكان العاصمة غادروها الى حين نهاية الموسم الضاغط والباعوض الكثيف؛ موسم الأخطاء المجسمة،وعلى المستوى المهني ضباب كثيف يلبد أفق المستقبل؛ القناة الوليدة التى أبصرت النور قبل شهرين تمت إقالة ربانها؛ فى خطوة مفاجئة، ورفقاء الدرب فى القناة يبحثون عن إجابة لأسئلتهم المعلقة كأحلامهم.
فى هذا الوقت العصيب تخلصت من سيارتي التى لم يبقى من ملامحها الا شعار الشركة المصنعة التى استولت عليها شركة فرنسية قبل فترة. بدا الشعار حزينا فى عيني يوم الفراق؛مائل لليسار بشكل مبالغ فيه وباهت على غير عادته.
فى ذلك اليوم من سبتمر من العام 2019 اختفت عربة خيول من فصيلة اوبل والى الأبد؛ أكثر الروايات صدقية تم تداولها آنذاك أنها آلت لملكية تاجر بيض سمك فى عاصمتنا الاقتصادية؛ وأنها أضيفت لبشرتها مفتحات زادتها جمالا جعلت من الصعب التعرف عليها.
منذ فاتح اكتوبر من نفس العام وأنا زبون دائم على كل شركات النقل التشاركي فى البلد.
حفظت وجوه القباطنة بأنواعهم، موظفون هائمون فى الشوارع بحثا عن ترقيع اقتصاد المنزل الحارق للأعصاب، عسكريون وكتاب ضبط وأساتذة ومضمدو جراح ونواب عمد فروا من بلديات فى أقاصي البلاد.
كنت أمام أكبر كنز حكايات يفتح مرة واحدة أمام كاتب؛ معلومات مهولة عن قطاعات حيوية ،وآهات أبطال من طبقة متوسطة تتآكل فى عاصمة لاتؤمن الا بتفرغ زينه أو الترحيل.
كانوا جميعا جنودا فى حروب صغيرة...أقساط تعليم الأولاد فى المدارس وتأمين دواء لايقطع؛ وتسديد دين يحل بعد فترة وجيزة.
سريعون جدا وخائفون؛ لايأبهون لكلام الساسة ولايطالعون موريتانيا الآن ؛ يعيشون بإيقاع مانهاتن بين كابيتال ولكصر.
هذه هي واجهة هذه الشركات؛ السائقون فيها يسمون بلغة القطاع قباطنة؛ وفى الطرف الآخر عملاء مركز الإتصال؛ أغلبهم سريع عهد بالعاصمة ،لايعرفون العناوين المرجعية للمدينة التى يعملون بها.
قلت لأحدهم ذات مرة أريد توصلة من الجمعية الوطنية فى اتجاه كذا.
قال لي بوثوقية اي جمعية وطنية!! واردف الجمعيات كثيرة؛ هنالك الجمعية الوطنية للأم والطفل. والجمعية الوطنية للصحة!!؟.
كانت تجربة عجيبة خرجت منها بالكثير من الشخوص والنصوص والأفكار وخرجت بحقيقة أخرى أن تكلفة مشوار واحد فى هذه الشركات يؤمن لك وقود تجوال ثلاثة أيام فى هذه العاصمة الأخطبوط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق