الاثنين، 1 سبتمبر 2025

رسالة ابراهيم ولد سيداتي للرئيس برام الداه اعبيد

 

السيد الرئيس برام الداه أعبيد المحترم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

وبعد،

تابعتُ، كما تابع آلاف أبناء وطننا، تصريحاتكم التي أدليتم بها من أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، والتي أثارت في نفسي، ومن دون شك في نفوس الكثيرين، مزيجًا من القلق والغيرة على مستقبل موريتانيا. ومن منطلق الواجب الأخوي والمسؤولية الوطنية، أجد نفسي ملزمًا بأن أوجه إليكم هذه الرسالة، مستذكرًا الدور الجوهري الذي تتحملونه بصفتكم صوتًا مؤثرًا وفاعلا سياسيا وطنيا.

موريتانيا، برغم تنوعها الثقافي والعرقي، ظلت عبر مسيرتها الحديثة نموذجًا حيًا للتعايش المشترك، ضمن إطار وحدة هوية جامعة تضم مكوناتها المختلفة. فهي بلد يتنفس عبر ثلاث رئات: العربية، والإفريقية، والإسلامية، التي شكّلت عبر العقود قاسمًا مشتركًا وهويّة صلبة ألّفت بين أبنائها، ووجهت ضميرهم الوطني صوب الانتماء والتكاتف.

ومن هنا، فإن أي خطاب يستهدف هذه القواسم المشتركة، أو يزرع بذور الشك والفرقة بين المكونات، أو يعيد إنتاج لغة التحريض والتصنيف، لا يخدم وطننا ولا يضع قدمًا على طريق الإصلاح الحقيقي. فالوطن لا يُبنى على أنقاض التعايش، ولا تثمر العدالة في بيئة تتفكك فيها أواصر السلم الأهلي، ويستبدل فيها الحوار بالسلاح اللفظي، بل بالعكس، يتقهقر كل تقدم ويزداد الجفاء.

لقد كان النضال الحقيقي، دومًا، جسرًا لوحدة الشعوب، وسبيلًا لاستنهاض الوعي الجماعي، وإصلاح الخلل من الداخل، عبر خطاب موحّد يجمع ولا يفرق، يضمّد الجراح ولا يزيدها ألمًا.

السيد الرئيس،

لقد زخرت صفحات التاريخ بنماذج قادة نضال إنساني خالدين، قاوموا الظلم والاضطهاد، دون أن يفقدوا وحدة شعوبهم أو يفرطوا في كرامة أوطانهم. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، المهاتما غاندي الذي ألهب ثورة اللاعنف ضد الاستعمار البريطاني، ومارتن لوثر كينغ الذي حارب التمييز العنصري بخطابٍ سلمي ملؤه الإيمان، ونيلسون مانديلا الذي انتصر على نظام الفصل العنصري بالسماحة والتسامح لا بالانتقام.

وفي عالمنا العربي، تركت أسماء كبيرة بصماتها في النضال من أجل الحق، دون أن تهدد وحدة أوطانها، مثل الشيخ عمر المختار في ليبيا، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وفرحات حشاد في تونس، الذين خاضوا معارك الشرف والكرامة ضمن إطار وطني جامع يحفظ وحدة شعوبهم.

أما موريتانيا، فرغم حداثة عهدها بالاستقلال، فقد عرف أهلها تحديات جمة، وعاشوا فترات عصيبة طغت عليها المحسوبية، والزبونية، والقبلية، والطائفية، وسوء التسيير. لكن، وبفضل الله، ثم بفضل أبنائها المخلصين في ظل مناخ التهدئةالذي نعيشه الآن بدأت البلاد تلتئم وتتجاوز تلك العقبات، وتتقدم – وإن كان بخطى متأنية – نحو ترسيخ دولة مؤسسات حقيقية، والانفتاح على التلاقي والتفاهم.

وفي هذا السياق، يُفترض أن تكونوا أنتم، كقادة، رقمًا فاعلًا ومؤثرًا في المعادلة الوطنية، صوتًا عاقلاً في أوقات التوتر، ورمزًا لوحدة يسعى إليها الجميع، لا نذيرًا للانقسام أو مدفوعًا بنيران الاحتقان.

السيد الرئيس،

إن حضوركم الوطني ونضالكم المتواصل يضاعف من حجم المسؤولية التي تقع على عاتقكم، وعلى رأسها الحفاظ على وحدة الوطن وصون هويته الجامعة، وترسيخ قيم التعايش والتضامن بين مكوناته، كما هو شأن المناضلين الحقوقيين الكبار الذين ظلوا دائمًا إلى جانب الوطن وبنائه، أمثال مسعود ولد بلخير وبيجل ولد هميد وغيرهم من الوطنيين المخلصين.

إن الشعوب المتعددة، مثل موريتانيا، ليست استثناءً في محيطها الإقليمي. فدول مثل المغرب والسنغال تضم أعراقًا وثقافات متعددة، لكنها استطاعت بوعي نخبها أن تبني هويتها الوطنية الجامعة، وتدير تنوعها بحكمة وروية، فكان تنوعها قوةً لا سببًا للتناحر والانقسام.

السيد الرئيس،

إن من يمتلك منبرًا سياسيًا أو حقوقيًا، ويخاطب باسم جزء من الشعب أو كله، يتحمّل مسؤولية ثقيلة أمام الله والتاريخ. فالكلمة، إذا لم تراعي حرمة الوطن، تصبح خنجرًا مسمومًا في خاصرته، وذريعة في يد من لا يريد الخير لهذا البلد العزيز. والواجب يقتضي أن يكون خطابنا، داخل الوطن وخارجه، معبرًا عن همومنا الوطنية الحقيقية، ضمن إطار يحفظ هيبة الدولة، ويصون كرامة الشعب، ويبحث عن الحلول البناءة لا عن إثارة المشاكل.

وختامًا، نؤمن، كما يؤمن كل مخلص، أن الخلاف لا يُفسد للود قضية، وأن طريق التغيير الحقيقي يمر عبر البناء لا الهدم، وعبر جمع الصف لا تفريقه، وعبر الكلمة المسؤولة لا الصرخة الجارحة.

فالوطن في نهاية المطاف سفينةٌ مشتركة، إن تسامينا فيها غرقنا، وإن تشاركنا في قيادتها بلغنا بر الأمان.

إبراهيم سيداتي، مواطنٌ لا يملك إلا جنسية واحدة، ولا وطن له إلا موريتانيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق