من الطبيعي جدا أن يناقش المجتمع السياسي ( الحزبي والمستقل والمهتم) مسألة الحكومة ، كاستحقاق دستوري وتنفيذي يقوم به رئيس الجمهورية بعد تنصيبه ، ومن التقليدي أن ينصب النقاش حول طبيعة الحكومة سياسية أم تكنوقراط أم مزيج من الإثنين؟ مع تقديم المؤيدات الموضوعية لحجة كل فريق ، ولا بأس أن يتطور هذا النقاش الطبيعي إلى طبيعة الجسم الحكومي أي موضوع الهيكلة والذي يختلف بالضرورة حسب فكرة انشاء الحكومة؛ فإذا كانت الحكومة ائتلافية أو سياسية فغالبا ما يؤثر ذلك سلبا من حيث زيادة الوزرات وهو ما يوقع مؤسسة الحكومة في الترهل وصعوبة الضبط والتنسيق ، أما إذا كانت إدارية متخصصة فغالبا مايؤدي ذلك إلى عيب المحدودية بحجة الدمج بين القطاعات ذات التداخل ، ويبقى النموذج التشاركي المازج بين السياسي والتكنوقراطي هو الأمثل من ناحية الحجم المتوسط ومن حيث الاستجابة لمتطلبات الواقع التنموي والسياسي، وإذا أردنا أن نضرب مثالا واحدا فعلى سبيل المثال لا الحصر في موريتانيا بعد إنشاء المجالس الجهوية يمكن إعادة النظر في قطاع الداخية واللامركزية وهيكلته من خلال الإبقاء على الداخلية واستحداث وزارة للتنمية المحلية تتبع لها المجالس الجهوية والبلديات والحماية المدنية وبعض إدارات مكافحة الفقر والغبن الاجتماعي ؛ ويكون من المناسب هنا بناء على المثال السابق الدفع بالداخلية إلى وزير ذو سمة سياسية إدارية ،وتعيين تكنوقراط على القطاع المستحدث المتعلق بالتنمية المحلية. الملف الثالث الذي يمكن أن يتوجه له النقاش فيما يتعلق بالحكومة هو أشخاص الحكومة أي "الوزراء" من الطبيعي جدا أن نناقش هنا موضوع التكوين والخبرة في مجالات معينة دون إهمال عوامل أخرى تتعلق بالثقة وبالتأثير في بوابات الولوج للتوزير إجتماعيا وماليا وسياسيا ،بمعنى أن علينا أن نفهم أنه لا توجد معيارية جاهزية وتنطبق حرفيا على شخوص الوزراء وأن الأمر مرن وواسع وتتداخل فيه معطيات واضحة وأخرى خفية - بمعنى غير معلومة بالضرورة- ويمكننا أن نتحدث نظريا عن مسألة الكفاءة والقدرة على العمل والتأثير وتخقيق الانتاجية وزيادة رصيد شرعية وصورة النظام من خلال الأشخاص الذين يحوزون ثقته، هنا نذكر بمدى حساسية ودقة القرارات الأولى لأي نظام جديد لأنها موضوعيا تعطى صورة ذهنية للناس عن حقيقة وتوجهات هذا النظام ، وأغلب المتلقين لا يدركون اكراهات اللحظة ولا سيرورة التحول وتصاعده. ما يلفت الانتباه من باب الطرافة في الحالة الموريتانية ؛ هو حالة "متلازمة التوزير" التي تجتاح الصحافة وكأننا سننشئ وزارات بعدد من يصلح لها بالقوة أو بالفعل. في النهاية تبقى الحكومة هي الطابق الثاني في السلطة التنفيذية وهي الوسيلة العملية التي يعتمد عليها أي رئيس في تحقيق تعهداته الانتخابية وبرنامجه التنموي وهو أمر جدير بالنقاش والاهتمام والجدية . نرجو لبلدنا بعد هذا التحول الواعد إرساء قواعد تنمية متينة وناجحة نحتاجها رغم التحديات الجسام التي نتجنب الخوض فيها هنا تغليبا للأمل على الألم .
السعد عبد الله بن بيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق