عندما وصل دونالد ترمب إلى الرئاسة في أمريكا وهو السياسي الشعبوي، أًصبح في مواجهة صحفيين مزعجين من بينهم Jim Acosta مراسل محطة CNN، صاحب الأسئلة التي أخرجت ترمب عن هدوءه أكثر من مرة، وفقد أعصابه ذات يوم في مؤتمر صحفي فهاجم المراسل واصفا إياه "بالوقح" وهاجم قناته، قبل أن يتم إلغاء اعتماده في البيت الأبيض، وتقوم القناة برفع شكوى ضد إدارة دونالد ترمب.
ترمب رئيس دولة عظمى، ورث أموالا طائلة وليست هبات من رجال أعمال، أو نتيجة لمناورات سياسية مع نظام بعينه، ورئيس منتخب من طرف الشعب الأمريكي، فكيف يفقد السيطرة على أعصابه أمام مراسل لقناة تلفزيونية، ليكشف عن ضعفه أمام الرأي العام؟ ولماذا يعمل على إبعاده من تغطية المؤتمرات الصحفية؟
ظهر دونالد ترمب بخطاب شعبوي بحت، يخاطب مشاعر الأمريكيين، ويعدهم بإعادة أمريكا إلى عظمتها السابقة، إحدى أمرات أصحاب الشعبوية هي أنهم يتحدثون كثيرا، ومن يتحدث كثيرا لا محالة سيكذب أو يتناقض بخصوص مواضيع أو مواقف، فيصبح كلامهم لغطا وثرثرة، بعيدا عن المنطق والموضوعية " من كثر لغطه كثر غلطه"
وهؤلاء الذين يمارسون السياسة ويتناقضون في خطاباتهم، ويضربون مبادئهم ومواقفهم بعرض الحائط، لديهم فوبيا من الصحفي الذي يدقق في أصغر تفاصيل مواقفهم وتناقضاتهم، ويخافون من الأسئلة المحددة القصيرة غير القابلة للتأويل أو لا تحتمل إجابة مطاطية، وتلك تقنيات يتم التدريب عليها في فن المقابلات أو أسئلة التحقيقات، ناقشتها مرات من بينها مرة في ورشة حضرتها بالأردن مع الإعلامية الرائدة في المقابلات رشا قنديل الصحفية في بي بي سي عربي.
هناك الكثير من النقاط المشتركة- ليس الثراء الموروث وتقلد منصب الرئاسة أحدها- تجمع بين دونالد ترمب وبيرام الداه اعبيد، فكلاهما شعبوي ثرثار متناقض، ولديه ما يخاف أن يسأل عنه أو يكشف له أمام الرأي العام، ولذلك من الطبيعي أن يتهرب من صحفي يعرف أدق التفاصيل في مساره السياسي، ومن الطبيعي أن يخاف من برنامج اسمه المسار، فمسار بيرام يبدأ بالوحدات في الحزب الجمهوري ودعم ما سماه الديمقراطية في عهد الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع الدكتاتور المتهم بقتل المواطنين وإفساد البلد، وينتهي مساره إلى اللحظة بتقديم شهادة البراءة لولد اجاي اليد اليمنى لولد عبد العزيز المحال للمحاكمة بتهمة الفساد والإثراء غير المشروع.
وكما فقد رئيس دولة عظمى يمتلك أموالا كثيرة، أعصابه أمام أسئلة مراسل صحفي، يمكن لمن فشل مرتين متتاليتين أن يقود الانتخابات الرئاسية إلى شوط ثان، أن يفقد ما هو أكثر من مجرد الأعصاب، خاصة إذا كان ينسف مواقفه وكلامه في كل مرة يتحدث، ومن سوء حظه أنه يتحدث كثيرا، ولا يمتلك مستشارين ولا مكتب يناقش ويخطط معه، فهو كل شيء، وكل الأمور ممركزة في شخصه.
أما آخر تناقضاته قوله إن ما قامت به السلطات في أطار من نزع لافتة حزبه أمر طبيعي، ثم عاد إلى نواكشوط لغير ذلك الموقف إلى استفزاز، وأما أكبر تناقض في السنوات الأخيرة فهو اعتباره لموريتانيا دولة فصل عنصري، ثم عاد وتخلى عن ذلك الخطاب ولم يعد له حتى اللحظة.
شخص هذه صفاته لا غرابة إذا تهرب من برنامج طبيعته تتبع مسار السياسيين، ومن صحفي عرفه على الصعيدين الشخصي والحقوقي، حتى أصبح يعرف أدق تفاصيل الحركة داخل موريتانيا وخارجها، وقديما قيل " لهروب شين يغير اسلك" وكان لبيرام أن يهرب بصمت، لكن كتب عليه أن يشهد العالمين على هروبه فأمر بنشر محادثة سرية حدثت قبل ما يزيد على أسبوع ، ظنا منه أنها يمكن أن تضر الصحفي، لكن نتيجتها كانت عكسية، فمن حبر بئرا ...وقع فيه.
أما أساليب التهرب من الصحفيين فقد تكون كثيرة ومختلفة، ومن بينها النعت بالوقاحة كما فعل ترمب، ومنها الاتهام بالجوسسة كما فعل بيرام، وكل هذا من أجل الهروب من الإحراج أمام الرأي العام، وإذا فهمت المقاصد فلا عبرة بالألفاظ.
السالك زيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق