الأحد، 9 فبراير 2025

إعادة قراءة التاريخ في مواجهة واقع لا ينصف

 


حديث الرئيس بيجل ولد هميد عن لون عبد الله بن ياسين سبقته دعوة عبد الله ببكر رحمه الله إلى: “إعادة النظر لحضور كل المكونات الديمغرافية في المجموعات التي أسست حركة المرابطين .”

هذه الدعوات لإعادة قراءة التاريخ ليست ممارسة أكاديمية أو جهدًا ثقافيًا معزولًا، بل هي تعبير عن قلق عميق من التهميش، ومحاولة للبحث عن الإنصاف في الحاضر عبر استعادة ما تم طمسه أو تجاهله في الماضي.

وهي ليست مجرد تمرين فكري، بل هي انعكاس لحالة شعورية قوية تعبر عن ضجر متزايد من واقع لا يزال يعاني فيه الكثيرون من مظاهر الغبن وعدم تكافؤ الفرص، لا باعتباره واقعًا تاريخيًا، ولكن بوصفه تحديًا معاصرًا يهدد الأجيال القادمة أيضًا.

هذا القلق يتجلى في محاولات البحث عن الشرعية التاريخية، كمدخلٍ لإعادة التوازن داخل النسيج الاجتماعي.

هناك إحساس بأن الاعتراف بالماضي، بكل ما يحمله من مساهمات وإنجازات، قد يكون مفتاحًا لضمان مستقبل أكثر إنصافًا، حيث لا يكون لأي مكون اجتماعي شعور بالدونية أو التهميش. هذا الشعور ليس مجرد هاجس فردي، بل هو جزء من إدراك جماعي بأن الإنصاف لا يتحقق عبر الخطاب وحده، بل عبر إعادة تشكيل فرص الحضور والتمكين داخل مختلف دوائر التأثير، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة.


ورغم هذا القلق، فإن التركيز على استعادة الرموز التاريخية لا ينبغي أن يكون وسيلة للانعزال أو التقوقع داخل سرديات خاصة، بل يجب أن يكون مدخلًا لتعزيز التماسك المجتمعي، في ظل إدراك أعمق بأن التنوع الذي يميز المجتمع هو مصدر قوة وليس عامل انقسام.

إن قراءة التاريخ بإنصاف لا تعني خلق قطيعة بين المكونات المختلفة، بل على العكس، تعني تعزيز المشترك الوطني عبر الاعتراف المتبادل بالأدوار التي ساهم بها الجميع في بناء المجتمع. فالتنوع الاجتماعي والثقافي كان دائمًا أحد أعمدة القوة، وما من مجتمع استطاع أن ينهض دون أن يجد طريقة لجعل هذا التنوع عامل إثراء وليس أداة للتباعد.


الطريق الوحيد لإنهاء القلق المتزايد من التهميش ليس في البحث عن التعويض الرمزي وحده، وإنما في ترجمة هذه المطالب إلى سياسات واضحة تضمن تكافؤ الفرص للجميع. عندما تتاح الفرص بشكل عادل، وعندما يشعر كل فرد، بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية، بأن له مكانًا في الحاضر والمستقبل، سيتراجع هذا القلق، وستتلاشى الحاجة إلى العودة إلى الماضي كوسيلة وحيدة لإثبات الوجود. فالعدالة لا تُمنح عبر الاعتراف التاريخي فقط، بل تتحقق عندما يكون لكل فرد القدرة على الوصول إلى الفرص نفسها التي تتيح له تحقيق ذاته والمساهمة في مجتمعه دون عوائق. هذا هو المخرج الحقيقي من دائرة التهميش، وهو السبيل الوحيد لترسيخ مجتمع أكثر عدالة وانسجامًا.

محمد الأمين الداه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق