بعد قرون بدون حركة حقيقية، بدأت موريتانيا تتحرك وتتغير بسرعة مُذهلة مع دخول الانترنت والهاتف المحمول. قبل عشر سنوات، كان الهاتف المحمول يعتبر رفاهية في بلادنا؛ لكنه الآن أصبح في متناول الجميع. ويمكن الجزم بأن كل موريتاني يمتلك هاتفا خلويا. يستخدم المراهقون وحتى الأطفال هذه "الأعجوبة" التكنولوجية على نطاق واسع للتواصل مع زملائهم وأقاربهم وأصدقائهم. وهذه الغايات المشروعة أساء الجيل الجديد استخدامها لأغراض أخرى. وبسرعة تغيرت قواعد اللعبة. تم كسر المحرمات والتقاليد والقيم النافعة. وأصبح الهاتف المحمول أداة لتداول كل شيء بسهولة وبدون حدود أو رقابة: دعاية، تهديد، أكاذيب، جنس، عنف …
والنتيجة، أننا نعيش الآن تحولات هي الأعمق والأخطر والأسرع في تاريخنا؛ تحولات متسارعة تمس المجتمع والفرد. صحيح أن الهاتف الذكي يجعل حياتنا أقل تعقيدًا وأقل إرهاقًا. صحيح أنه يخبرنا بالوقت، ويخبرنا عن الطقس، ويعطينا نشرات الأخبار، ويطلعنا على جديد الكتب والمؤلفات، ويسمح لنا بالتواصل مع العالم كله في أقل من 20 ثانية، ويتيح لنا فرصة التسوق ومشاهدة أدوار كرة القدم دون عناء التنقل. وصحيح أنه يوفر لنا الوقت، و يسهل لنا الحياة؛ ولكن السهولة هذه سلاح ذو حدّين. فإنها، ورغم ما توفره من فوائد، تجلب عادات ضارة على المدى الطويل. ومن تلك العادات مثلا: التضايق ونفاد الصبر. الأجيال الحالية تعيش حالة دائمة من التوتر والغضب والهلع بسبب "السرعة". الإنسان اليوم يعيش على "أعصابه"، وهو في سباق دائم مع الزمن. يطلب الوصول لغايته في أسرع وقت، وبأي وسيلة. الرجل لم يعد ينتظر. والمرأة لم تعد تنتظر. والشاب يريد أن يذهب أسرع من الوقت نفسه.
كان أسلافنا بلا شك أقل قلقًا، وكانت بعض الأمراض النفسية التي نعرفها اليوم نادرة جدًا، لماذا؟ لأسباب كثيرة، ومنها أنهم أخذوا "وقتهم". إن للوقت فوائد على الإنسان والإنسانية لا يمكن أن تحققها أي قيمة أخرى. بفضل الوقت يتطور الإنسان. يفكرّ ويراجع ويصحح ويتدبّر ويغيّر؛ الوقت يسمح بالتأمل، والتأمل هو الذي يجعل الإنسان إنسانا، ويميزه عن الحيوانات والآلات. الوقت فضيلة لا يمكن تجاهلها، فهو يداوي الجراح، وينفخ بلطف على الآلام، ويهدئ الآفات، ويقوي الأرواح. فلماذا لا نأخذ وقتنا؟ لماذا لا نعيش وقتنا؟ لماذا كل هذه السرعة والتسرع والإسراع؟
خففوا من الهاتف الذكي، إنه استحوذ على أغلى ما نملك: "وقتنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق