تعد ظاهرة "الموضة"، وتسمى أيضا ظاهرة "القطار" أو "العربة" أو "الموجة" ظاهرة ملموسة ومتجذرة في بلادنا. تتمثل في سلوك شائع معروف عاميّا بلفظة "لَحْمَار" بتخفيف الراء، أو التقليد والمحاكاة. وتشمل هذه الظاهرة مختلف جوانب الحياة بكل ظواهرها تقريبا: الزّي، والتجميل، والطهي، والاستهلاك، والاقتصاد، والتجارة، والسياسة، إلخ،،، كلما اتجه بعضنا إلى وجهة في أي مجال من المجالات، اتجه نحوها الجميع. سواء تعلق الأمر بطلب سلعة أو اعتماد فكرة أو ممارسة نشاط تجاري أو دعم حزب سياسي؛ فإننا نندفع جميعا في نفس الاتجاه• في مجال الذوق العام والطلب على السلع مثلا، اندفعنا في الماضي وراء دراعة الخميني، و أتاي 8147، والگفّه، ومالبورو، ونعل الداخلة. واليوم نجري وراء "أزبي" و "أزواد" و"السيارة" ونعل "فاني"، والهاتف المحمول،،، وفي مجال الخيارات السياسية، اندفعنا في الماضي مع الحركات الايديولوجية. فكنا كادحين وبعثيين وناصريين، ثم جاءت موضة "التجمع حول الفائز" ودعم الحزب الحاكم لأنه الأقوى والأكثر رواجا• ركبنا قطار "الجمهوري" و "عادل" و"الاتحاد"، واليوم نتشبث بقطار "الإنصاف". وفي مجال الكسب وأسباب العيش ركبنا موجة البقالات، والورقات، والصيدليات، وشركات التأمين، ومقاهي الانترنيت، و النقطة الساخنة، إلخ،،، كنا في كل مرة نتصرف تحت تأثير ثنائية "الجذب والدفع" كما يقول الفيلسوف الألماني "صموئيل جورج"• جرّبنا معظم سبل الحياة إلاّ المِهن والحِرف والأعمال اليدوية الحرة رفضناها تكبرا وغرورا ،،، وها نحن اليوم نلهث لئلا يفوتنا قطار الهجرة! لا صوت يعلو فوق صوت المهاجرين. حيّ على المكسيك! حيّ على الحائط! وبالطريقة هذه - طريقة التأثير بالحشد وسرعة العدوى - استولى "فيروس" الهجرة على آلاف الشباب، وأصبحت الهجرة موضة!
وهنا، أود التأكيد على أن الهجرة ليست جريمة ولا ذنبا ولا نقيصة، بل العكس من ذلك. فإن الشباب الذين هاجروا هم في بعض الأحيان من خيرة أبنائنا وأكثرهم شجاعة وأنفَة و شكيمة. وسوق يجدون أمامهم مئات الملايين من المسلمين والعرب والأفارقة مهاجرين من جميع أنحاء الأرض. ليس فينا ولا منا من يدعو إلى شيطنة المهاجرين أو التقليل من شأنهم، كل ما في الأمر هو أن الهجرة قد تكون حلّا بالنسبة لفرد أو مجموعة من الأفراد، لكنها لا يمكن أن تكون حلّا جماعيا تنهض بموجبه الأمة كلها.
وبهذا الخصوص، أود أن أخاطب الشباب والحكومة بإيجاز شديد.
إخوتي الشباب،
أدري أنكم تواجهون ضغوطا نفسية صعبة وظروفا معيشية أصعب تدعوكم إلى الهجرة طلبا لحياة أفضل. وأدري أن لكل واحد منكم ميلا فطريا إلى امتثال الموضة و مسايرة الرّكب والسباحة مع التيار، ولسان حاله يقول:
"وهل أنا إلا من غزية إن غوت @ غويت وإن ترشد أرشد"•
أعلم ذلك ولكني أحذركم من التبعية العمياء. لا تنسوا رواية "نعاج اپّانورج" للكاتب الفرنسي "رابلي"• شجارٌ وقع خلال رحلة بحرية بين أحد الركاب وتاجر أغنام أساء إليه بشدة. أراد الرجل أن ينتقم من التاجر، فاشتري نعجة من غنمه و رماها في البحر. وما إن حدث ذلك حتى قفزت النعاج الأخرى بكاملها إلى البحر في تدافع رهيب جر الرعاة والتاجر إلى القاع.
أريدك أيها الشاب أن تعمل وتجتهد على أن يكون لك رأيك الخاص، يستند إلى عقلك ورؤيتك، وإياك ثم إياك من التبعية لغيرك. هلا قارنت بنفسك بين إيجابيات الهجرة وسلبياتها؟ هلا سألت نفسك عنها أكانت تضمن نجاحك في الحياة؟ وماذا عن مستقبل المهاجرين المسلمين في دول الغرب؟ وماذا لو تغيرت قوانين وأنظمة الهجرة عندهم بغتةً؟ وهل فكرت في موريتانيا غدا و بعد غد؟ وماذا عن فرص العمل التي يمكن أن توفرها لشبابها مع انطلاق ورشات الغاز واستغلال مواردها الأخرى؟ إلخ،،،
وإلى الحكومة أقول إنه من الضروري التوجه بحزم وعزم نحو الشباب ومنحهم الأولوية المطلقة في البرامج والخطط التنموية. ينبغي أن يشعر الشباب برعاية الحكومة وقربها منهم و وقوفها إلى جانبهم حيثما وجدوا في المدارس، والمكاتب، والأسواق، والمعامل والورشات، والأحياء الشعبية، والملاعب، وفي الشارع. ما نحتاجه لأبنائنا هو محاربة الفراغ والفساد، واعتماد سياسة متكاملة تعيد لهم الأمل في تحسين أحوالهم النفسية والمعيشية. نحتاج إلى دورات تكوين و تدريب مكثفة في كل عواصم الولايات وسياسات توظيف نشطة وبرامج ترفيهية صحية وسليمة وأحياء سكنية وشوارع آمنة. نحتاج إلى محاربة أكثر جدية وصرامة لانتشار الكحول والمخدرات، وإنشاء مؤسسات طبية متخصصة لعلاج المدمنين. نحتاج إلى تأهيل وتفعيل "دور الشباب" المتهالكة و المغلقه في كل مكان، وتنويع النشاطات الثقافية والمسرحية والرياضية فيها. وبكلمة واحدة، نحتاج إلى أن نفهم الشباب وما يختلط بداخل أنفسهم من مرارة وسخط من جهة، وحنان وحب للوطن من جهة أخرى.
محمد فال ولد بلال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق