الأربعاء، 12 يوليو 2023

حديث الأربعاء فبركة الزعامة (محمد فال ولد بلال)

 


زارني الحاج عبُّود - وهو رجلٌ معروفٌ لأصدقاء ومتابعي هذه الصفحة - زارني زيارة ود واطمئنان منحتني استرخاء واستراحة خفّفت عليّ الرتابة والملل اليومي. أمضى معي وقتا ممتِعا ومنعشا حكى عليّ خلاله قصة مشعوذ ماهر كان يزعم أن لديه مقدرة خارقة على التدخل في مصائر الناس*. 

وَفد هذا المشعوذ إلى قرية نائية في الهند. واقترب من أحد رجالها، وهمس في أذنه قائلا: "أعرض عليك مصيرا عظيما لطفلك الرضيع لقاء مبلغ من المال". وبعد أخذ ورد وافق الرجل على العرض، لكنه اشترط أن يطلع على المواصفات التي سيمنح المشعوذ لطفله. فعرض عليه المشعوذ ما توافر لديه من تمائم وطلاسم تعطي الولد المال والجمال والزوجة الصالحة والذرية والعقل والشجاعة والقوة… إلاّ أن الرجل لم يعجب بأي من هذه المواصفات. أخيرا أغراه المشعوذ بأن ولده سيصير زعيما فى بلده، وهو ما أثار اهتمام الرجل وإعجابه. فقال للمشعوذ: الفكرة ممتازة. إذ لا أشك فى أن ملامح ذكائه ونبوغه ستظهر في سن الطفولة. لكن المشعوذ حين راجع التمائم والطلاسم والجداول الموجودة لديه هز رأسه أسفا وقال: ليس الأمر كذلك، إذ لن تظهر عليه تلك العلامات وهو طفل. فقال التاجر: إذن فالنباهة ستبدو عليه فى مراحل الدراسة الابتدائية. قال المشعوذ: لا، بالعكس، ستكون دراسته عادية جدا. تحيّر الرجل وقال: معناه أن علامات الزعامة ستظهر عليه حين دخوله المرحلة الجامعية. فيغدو قائدا طلابيا شجاعا وملهما. قال المشعوذ: أبدا، لن يكون كذلك. هنا اندهش الرجل وقال: ستظهر عبقريته بعد بلوغه سِن الأربعين، و تنفجر صفات الحكمة والدهاء التى تليق بزعيم. قال له المشعوذ: لا شىء مما تذكره إطلاقا. ازداد الرجل حيرة وارتباكا وقال: إذن، سيكون سياسيا بارزا و محسودا بين أقرانه بسبب كفاحه الدؤوب وتضحياته الجليلة. قال له المشعوذ: لا، أبدا! لا كفاح يذكر، ولا تضحيات كبيرة .. عند ذلك الحد فاض الكيل بالرجل، واستشاط غضبا، فقال ضجرا: بالله عليك، كيف سيصير من يفتقد هذه المواصفات زعيما في قومه؟ تركه المشعوذ حتى سكن، ثم قال له بهدوء وبرود. لا عليك. بعد أن يصير زعيما، ستنهال عليه المدائح و ستمنح له كل الصفات التي ذكرت، بل أكثر.. سيكون "قطب زمانه" و "داهية عصره"، إلخ..

في بلاد الهندوس، لا يصبح الرجلُ زعيماً بقوى الدفع الذاتية، أي أنه لا يصنع نفْسَه "زعيما"، إلاّ في حدود 1/100000 من أفراد المجتمع. وهذه النسبة يتقاسمها نجوم الشعر والفن والرياضة والإعلام وسياسيون قلائل انتزعوا الزعامة بالفكر والتضحية والنضال الشاق؛ أما الأغلبية الباقية فلها أدوات وآليات وروافع معروفة تتولى "فبركة" زعامة أفرادها .. والتي غالبا ما تنشأ بموجب مرسوم رئاسي.

* مقتبس من رواية للكاتب المصري فهمي هويدي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق