لا جدال في أن قلب كل مواطن موريتاني يعتصر ألماً لمثل ما يدور من أحداث وينشر من أخبار عن إلحاد هنا، وكفر هناك، وإساءة ومساس بالمقدسات في قاعة تصحيح امتحان، وخصومة وشجار في كل مكان: في مواقع الإعلام السمعي والمرئي، وصفحات التواصل الاجتماعي، والطامة الكبرى في البرلمان،،، أذكر أني كتبت العام الماضي مقالا بعنوان "الأمن الديني"، وكالعادة مرّ دون أن ينتبه له أحد. قلت في ذلك المقال إننا سوف نتعرض لمشاكل أمنية وسياسية إذا استمر حالنا في سوء استخدام الحرية التي يتيحها لنا الدستور. نبهت إلى خطر العولمة، وقلت إن كل شيء من حولنا يتهدد أمننا الديني، وأشرت إلى أن كل المحرمات والجرائم أصبحت مباحة عندنا باسم الحرية، والعياذ بالله. تجاوزنا كل الخطوط الحمراء، لا حلال ولا حرام، ولا ثوابت ولا سقوف معلومة، ولا قيّم ولا مكارم أخلاق.
اليوم، وبعد متابعة ما يدور في ساحتنا الوطنية من غليان وأحداث وسجالات قانونية وصراعات سياسية محتدمة، أردت أن أسجل هنا بعض التأملات والمقترحات للحاضر والمستقبل. أقول للمستقبل لأن مواجهة هذا الأمر ستكون على مدى القرن. ينبغي أن نعمل لها على مستوى النشء، بمعنى أن نعيد تحصين المجتمع من أسفل ألى أعلى. وسبيلا إلى ذلك، لدينا 4 مفاتيح رئيسية: التشريع ، القضاء، التنفيذ، والتعليم.
وأتقدم لهذه الجهات بالمقترحات التالية:
- من الآن فصاعدا، يجب النظر تحت طابع الاستعجال في جرائم الحدود التي فرض الشرع لها عقوبة محددة تجب حقاً لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإصدار الأحكام فيها على الفور وتنفيذها بلا هوادة ولا تردد، وخاصة ما تعلق منها بالردة والبغي. ونحث المحكمة حالا المختصة و العاكفة منذ أيام على قضية المسيئة لنفسها في امتحان البكلوريا أن تصدر حكم الشرع فيها في أسرع وقت ممكن.
- ابتكار استراتيجية تجديدية و رؤية بيداغوجية ملائمة لهذا العصر في تدريس مادة التربية الإسلامية بما يضمن تطوير أساليبها وطرق تدريسها. أصبح من الواضح أن اعتماد التلقين والخطاب العمودي في التدريس، واعتبار التربية الاسلامية مادة حفظ فقط، لا يكفي ليجعل من التلميذ عنصرا إيجابيا وفاعلا يعي دوره كاملا. لا بد من منهج يعطي مساحة أوسع للتربية الأخلاقية وغرس القيم الفاضلة والمسلكيات الحميدة. هنا أتحدث عن التعليم النظامي، وأقبل يد المحظرة التقليدية، وأنحني لدورها، وأنصح بتجديد وسائلها ومناهجها للتأقلم مع الظروف العالمية والعلمية الجديدة.
- وقد يساعد في ذلك افتتاح تجريبي لمدارس نموذجية للتربية الاسلامية تتكفل بالطفل قبل الابتدائية وحتى انتهاء المرحلة الثانوية. واختيار طواقم من الأساتذة والمديرين والمفتشين أكفاء قادرين على تدريس هذه المادة بطريقة تُعزّز لدى التلميذ روح الاكتشاف والإثراء الفكري، وتنمّي لديه مهارات التفكير والفهم، والقدرة على الاستقراء والاستدلال، وحسن الاستماع والانصات. أعتقد أنه بدون تنمية هذه المهارات، فإن تدريس التربية الإسلامية سيظل دون المستوى المطلوب لتحصين أبنائنا وبناتنا في وجه عواصف العولمة والإلحاد.
- وضع رقابة على نشاطات واسعة النطاق توصف بأنها "توعوية" وتارة "إنسانية وثقافية" وتارة "ترفيهية" ومساعدات مشبوهة ومسارات تقوم بها بعض المنظمات والهيئات الأجنبية، وتنسب أحيانًا للكنيسة. كما يجب تحريم بعض المواقع المنافية للدين والمضرة بالأخلاق، منها مواقع إساءة صريحة للإسلام، ومواقع إباحية وإجرامية خطيرة، إلخ.. ينبغي استكمال الترسانة القانونية المتعلقة بهذا المجال، وإسناد المراقبة والتنفيذ لجهة قادرة.
- وبخصوص ما جرى في البرلمان، وبصرف النظر عن لياقة الخطاب من عدم لياقته، وهو بالتأكيد غير لائق لا بالزمان ولا بالمكان، أدعو النواب إلى الاقتباس من خلق النبي صلى الله عليه وسلم. كان خُلقه القرآن، وشمائله السماحة، وفضائله السلم، ووسيلته الإرشاد، وغايته الإسعاد.. يعفو عند المقدرة، ويصفح على المزلة، يحتمل أذى الناس، ولا يُحَمّلهم أذاه،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
لله درك لقد قلت الصواب
ردحذف