في وقت قد يرى فيه البعض أن "بطاقة العمل" أو "بطاقة التعريف الوظيفي" تعبر عن مفهومٍ عفا عليه الزمن؛ فإنها لا تزال تمثل أكثر من مجرد وسيلة لتبادل البيانات.
رغم بساطتها الظاهرية؛ يمكن أن ينجم عن عملية تبادل "بطاقات التعريف الوظيفي" بين حامليها، إحراجاً مؤلماً، إذا ما جرت على نحو غير ملائم.
ومن بين من سعوا لإيجاد حلٍ لهذا الأمر؛ وولتر فولشتروه - أحد مؤسسي شركة "إتش يو إم. نيوتريشن" - الذي يقول إنه نجح أخيراً في بلورة الشكل الدقيق، الذي ينبغي أن يكون عليه "فن تبادل بطاقات الأعمال"، وذلك بعد أعوام طويلة قضاها متنقلاً بين باريس ولندن، ولوس أنجليس التي يعيش فيها حالياً.
ويعني ذلك أن يُكيّف المرء بعناية نهجه في هذا الشأن، بحسب المنطقة الجغرافية التي يُجري هذا التبادل فيها، وكذلك الأشخاص الذين يمنحهم بطاقاته.
ففي أوروبا – حسبما يقول فولشتروه - لا يزال طقس "تبادل البطاقات" يتم على الأغلب في بداية الحديث بين أصحابها وعلى نحو رسمي، كما كان الحال دائماً، وذلك قبل أن يدس كلٌ منهم بطاقة الآخر بعناية في جيبه.
لكن الأمر يختلف على الساحل الغربي للولايات المتحدة. فكجزءٍ من التقاليد الخاصة ببدء تجمع حضور مناسبة ما، ينتظر فولشتروه عادةً نظراءه في هذا الموقف ليبادروه بتقديم أنفسهم له بشكل رسمي. وفي حالة عدم حدوث ذلك، يفضل الرجل تجاهل الخطوة الخاصة بمنح "بطاقة العمل" الخاصة به للآخرين.
حقل ألغام
ويحرص فولشتروه على الإشارة إلى أن مسألة تبادل "بطاقات العمل" باتت "معقدة للغاية"؛ إلى حد أنه يمكن في بعض المؤتمرات الخاصة بالتكنولوجيا أن "ينظر لك الآخرون على أنك قادمٌ من (حقبة زمنية) أخرى، إذا ما أشهرت بطاقة العمل الخاصة بك".
ولذا بات هذا الرجل يسارع في مثل هذه الحالات، بتعزيز معرفته بالشخصيات الجديدة التي يلتقى بها خلال تلك المؤتمرات، عبر الاتصال بهم من خلال موقع مثل "لينكد إن" وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك لتوطيد صلاته بهم.
وهنا يمكننا أن نسأل: إذا ما كنا جميعاً قد أصبحنا "مواطنين رقميين" على هذه الشاكلة؛ فلِمَ لا يزال من الملائم للمرء أن يتبادل مع الآخرين أقصوصة من الورق تحمل المعلومات المهنية الخاصة به؟
ربما تتمثل الإجابة في أن الأمر لا يقتصر في أهميته على مجرد كونه تبادلاً لتفاصيل ومعلومات، بل إن "بطاقات الأعمال" تساعد المرء - كما يقول خبراء - في أن يُخلّف لدى من يلتقي بهم انطباعاً أوليّاً إيجابياً، يكتسب أهميةً كبيرة.
كما أن هذه البطاقات تشكل أداةً لإذابة الجليد، ووسيلةً للفت انتباه من تحاورهم، ونيل اهتمامهم، بل وكذلك تعزيز مصداقيتك لديهم.
دليل عالمي لتبادل "بطاقات العمل"
حتى الآن، لا يزال إجراء صفقات تجارية في مناطق من آسيا وأمريكا اللاتينية وحتى في جنوب أوروبا، يعني على الأغلب اتباع نهج تقليدي في هذا الصدد.
وهنا يقول سباستيان رايشيه، الأستاذ المساعد بكلية "آي إي إس إي" للأعمال في مدينة برشلونة الإسبانية : " يشكل تبادل بطاقات العمل طقساً في حد ذاته"، حتى وإن كان يبدو ربما أمراً لا طائل من ورائه في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن رايشيه يستطرد بالقول: "لا نزال نطبع بطاقات الأعمال، ولكنك لا تحتاج لاستخدامها" على أرض الواقع.
ولعل من المفيد هنا استعراض تجربة "مايكل ميشليني"، وهو أمريكيٌ يعمل في مجال التسويق بمدينة شينزين الصينية، إذ تعلم هذا الرجل أن يسلم بطاقة الأعمال الخاصة به، وهو يمسك بها بكلتا يديه، مع الحرص على أن يكون جانبها المُدونة فوقه البيانات؛ مواجهاً لمن يسلمها إليهم.
كما يحرص على إلقاء نظرة على أي "بطاقة أعمال" تُسلم إليه، وأن يتجنب تماماً وضعها في الجيب الخلفي لسرواله، إذ أن ذلك - في عرف الصينيين – أمرٌ غير مقبول البتة.
ولذا، ففي كل مرة يتسلم فيها ميشليني إحدى هذه البطاقات، صار يحرص الآن على إلقاء نظرة على البيانات والتفاصيل المدونة عليها، لأن ذلك يمثل مؤشراً على احترامه لصاحبها.
ولكن هذا الرجل يقر بأنه لا يزال لا يتقن إبداء الاهتمام الواجب بكل تفاصيل هذه العملية، رغم أنه يعيش في الصين منذ عشر سنوات. فلا يزال هذا الأمر يصيبه بالتشوش عادةً، حسبما يقول.
وعلى أي حال، فإن هذا الطقس برمته يستهدف إبداء التشريف والتكريم للشخص صاحب البطاقة، ولا يزال يُمارس بشكل أو بآخر في غالبية أنحاء آسيا.
ونعود لـ"رايشيه" الذي يقول إن "بطاقة الأعمال" لا تزال تشكل أداةً لتذكير الآخرين بوضع ومكانة صاحبها، في البلدان التي مازالت تسودها قواعد تقليدية على صعيد إجراء الصفقات التجارية.
ويضيف الرجل بالقول: "في إطار ثقافةٍ لا يزال التسلسل الهرمي والطبقي مهماً فيها" يهتم الآخرون برؤية بطاقتك لكي يحددوا كيفية التعامل معك ومخاطبتك".
أما نيكول داير غريفيث، الخبيرة الاستشارية في قواعد البروتوكول الدولي والتي تعمل في ترينداد؛ فتنصح عملاءها ممن يجرون صفقات تجارية في ما وراء البحار، بأن يحذو في تصرفاتهم حذو الشخص الأكثر مكانة ومنزلة في المجموعة التي ينضوون تحت لوائها، إذا ما كانوا في تجمعٍ ما.
ففي بعض الثقافات، ربما تُرجئ خطوة تبادل "بطاقات الأعمال" حتى نهاية الاجتماع. في المقابل، نجد أن هناك بقاعاً أخرى في العالم، يحرص المشاركون في لقاءات العمل التي تجري فيها، على أن يقدموا أنفسهم لبعضهم البعض في بداية اللقاءات، وهم يحملون البطاقات الخاصة بهم في أيديهم.
وتقول هذه السيدة إنه من الغريب والمدهش - كما قد يبدو بالنسبة لرجال الأعمال في الولايات المتحدة أو بريطانيا – إدراك حقيقة أن تجاهل شخص ما لطقسٍ مثل هذا ربما ينطوي على إمكانية الإضرار بالصفقة التجارية التي يتفاوض بشأنها برمتها.
ولذا تقول إنه من المهم السعي للالتزام بآداب السلوك المتبع في هذا الشأن على أفضل وجهٍ ممكن.
ولا يقتصر التباين في التعامل مع "بطاقات الأعمال" على أهميتها أو الطقوس الخاصة بتقديمها فحسب، وإنما يمتد للذوق الخاص بتصميمها، ذاك الذي يختلف بشكل كبير من منطقةٍ لأخرى في العالم، كما يقول تشاد جيننغز، كبير مسئولي الإنتاج في شركة "موو" لتصميم "بطاقات الأعمال" وطباعتها في بريطانيا.
ويضرب هنا جيننغز مثالاً بسُمك البطاقة نفسها، ففي حين تُعد "بطاقة الأعمال" الأكثر سُمكاً مؤشراً على الفخامة في بريطانيا ومختلف أنحاء أوروبا، فإن تصميمها على نحو يجعلها أقل سمكاً، هو ما يجعلها تبدو فخمةً بشكل أكبر في أعين الصينيين واليابانيين.
وفيما يميل الصينيون إلى كتابة الكثير من البيانات على "بطاقات أعمالهم" إلى حد يجعلها مغمورةً بالحروف والأرقام، تحتوي بطاقات الألمان والسويسريين على بيانات أقل كثيراً تقتصر على المعلومات والتفاصيل الأكثر أهمية، دون مباهاةٍ بالإنجازات التي حققها صاحب البطاقة في مجاله المهني.
أما عن الخامات المستخدمة في كتابة البيانات نفسها، فيقول جيننغز إن الرقائق الذهبية أو المُذهّبة هي الخامة الأكثر انتشاراً على هذا الصعيد في بريطانيا، نظراً لكونها تكسب البطاقة مظهراً أكثر فخامة.
المستقبل
الخلاصة أن "بطاقات الأعمال" لم تفارق الحياة بعد، ولكنها تخضع - في الواقع - لتغييراتٍ في شكلها وربما طبيعتها.
ففي العام الماضي، أطلقت شركة "موو" بطاقاتٍ أعمال جديدةً تستخدم فيما يُعرف بـ"الاتصال الميداني قريب المدى"، وذلك نظراً لأنها مزودة بخاصية تُعرف باسم "إن إف سي"، وهي تقنية للتواصل قريب المدى عبر الاتصال اللاسلكي، وهي تقنية يمكن عبرها نقل البيانات وتبادلها في نطاق ضيق للغاية.
ويُستخدم في صنع هذه البطاقات ما يُعرف بـ"الورق الذكي" الذي يسمح بتخزين البيانات عليه، لكي يتسنى قراءة تلك البيانات فيما بعد من خلال مسحها إليكترونياً بواسطة هاتف ذكي أو أي جهاز إلكتروني آخر.
وبرغم أن مبيعات هذه البطاقات المتطورة لا تزال تشكل جزءاً محدوداً من المبيعات الإجمالية للشركة؛ فإن جيننغز يشير إلى أن هذه الفكرة بدأت ترسخ أقدامها شيئاً فشيئاً.
ويضيف بالقول: "الناس يستخدمونها بطرقٍ فريدة من نوعها بحق، فالبعض يربطون بينها وبين قوائم تشغيل المقاطع الصوتية والمصورة التي توفرها خدمة سبوتيفاي" السويدية للأغاني والمدونات الصوتية، والتسجيلات المصورة.
وفي مارس/آذار الماضي، أطلقت الشركة أيضا تطبيقاً يحمل اسم "مونوغرام باي موو"، يُعد بمثابة بطاقة أعمال إلكترونية تسمح لمستخدميها بأن يضعوا على هواتفهم المحمولة وثائق وصوراً كنماذج لإنجازاتهم المهنية، أو بأن يرسلوا كل ذلك إلكترونياً لمن يرغبون.
وبذلك يمكن للأشخاص المُرسلة إليهم هذه المواد مشاهدتها، مما يساعد في توضيح صورة المكانة المهنية لمرسليها، وإبراز ما حققوه من نجاحات في هذا الصدد، وذلك جنباً إلى جنب مع بطاقات أعمالهم التقليدية التي يمكن لكلٍ منهم تسليمها لمن يريد، كما يقول جيننغز.
أما ميشليني فيقول إن ظهر بطاقة الأعمال الخاصة به بات يحتوي على ما يُعرف بـ"رمز أو كود الاستجابة السريعة" الخاص بخدمة تراسل فورية تحمل اسم "وي تشات"، وهو رمزٌ يحتوي على معلوماتٍ بشأن صاحب البطاقة، يمكن قراءتها إلكترونياً.
وبوسع مستخدمي خدمة التراسل هذه، التي تتخذ من الصين مقراً لها، التواصل مع بعضهم البعض، دون الحاجة لأن يضيف كلٌ منهم الآخر إلى قائمة أصدقائه أو معارفه.
ويقول رجل الأعمال الأمريكي إنه اتخذ هذه الخطوة لكي يتسنى لأي مستخدم آخر لتلك الخدمة، أن يقرأ إلكترونياً وعن بعد وبشكل مباشر، البيانات المخزنة على رمز الاستجابة السريعة الخاص به، ومن ثم التواصل معه عبر شبكة الإنترنت.
وفي كثير من الأحيان، يُفعّل ميشليني هذا الرمز ببساطة عبر هاتفه الذكي، ليتم "مسحه" إلكترونيا من قبل أحد زملائه أو شركائه من رجال الأعمال الصينيين.
ويشير الرجل إلى أن هذه الطريقة – الشائعة بين شركائه الصينيين – باتت تحظى بتفضيلٍ أكبر مقارنةً ببطاقات الأعمال ذات الطابع التقليدي، لأنها تضمن تلقائياً حدوث اتصال عبر الإنترنت بين المهتمين بذلك.
لكن هذا الأسلوب المتطور لا يخلو من عيوب في نظر داير غريفيث، التي تقول إن الناس تتفاوت في قدراتها على التعامل مع التكنولوجيا، وهو ما يجعل تبادل بطاقات الأعمال، يبدو – مثله مثل المصافحة باليدين - أمراً ضرورياً في غالبية القطاعات التجارية والصناعية؛ إذ أن ذلك لا يزال يضفي، كما تقول، "لمسةً شخصية" على الأمر برمته.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق