السبت، 23 سبتمبر 2017

عبد الباري عطوان/ ما هو الجديد الذي يُمكن استقراؤه من الغارة الصاروخيّة الإسرائيليّة فَجر اليوم على سورية؟


تحتاح شُعوبنا العربيّة، وفي غَمرة حَفلات العِناق، السريّة والعلنيّة، بين مَسؤولين عَرب كبارًا، ونُظرائهم الإسرائيليين، إلى تَذكيرهم، أو بَعضهم، بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي ما زالت العَدو الذي لا يتوقّف عن عُدوانه، وانتهاك سيادة الأرض العربيّة وكرامتها.
من المُفارقة أن تكون سورية التي تتعرّض لحربٍ تَقف خَلفها أمريكا وحُلفاؤها العَرب مُنذ سَبع سنوات تَهدف إلى تقسيمها وتفتيتها، وإنهاك جيشها، وأسقاط نظامها هي الدّولة الوحيدة المُستهدفة بالغارات الجويّة والصاروخيّة الإسرائيليّة هذهِ الأيام، والشيء نفسه يُقال عن قوافل أسلحة “حزب الله” وطائراته المُسيّرة.

بعد أقل من شهر، أفقنا من صباح يوم الجمعة على تقارير إخباريّة تُؤكّد حُدوث غارةٍ صاروخيّةٍ إسرائيليّةٍ استهدفت مُستودعًا للأسلحة قُرب مطار دمشق الدّولي، يُعتقد أنه كان يَحتوي على دُفعةٍ جديدةٍ من الصّواريخ المُتطوّرة كانت في طريقها إلى “حزب الله” في جنوب لبنان.

إسرائيل كعادتها في مُعظم هذهِ الحالات، تكتّمت على أنباء هذه الغارة، ومَنعت الصّحف الإسرائيليّة من نَشر أيّ أنباءٍ حَولها، لكن شَبكة الاعلام الحربي السوري أكّدت أن وسائط الدّفاع الجوّي السوري نَجحت في إسقاط أحد الصّواريخ الثلاثة التي كانت مُتّجهةً إلى منطقة مطار دمشق، وسَقط حُطامه في ناحية الكسوة جنوب العاصمة.

***

شَنْ دولة الاحتلال غاراتٍ جويّة أو صاروخيّة على سورية ليس جديدًا، فقائد سابق لسلاح الجو الإسرائيلي اعترف قبل أيام مَعدودةٍ بأن الطائرات الإسرائيليّة أغارت أكثر من مِئة مرّة على أهداف في العُمق السّوري في السّنوات السّبع الماضية، لكن الجديد في رأينا، أن هذهِ الغارة الصاروخيّة الأحدث لم تَمر دون ردٍّ مِثلما جاء في بيان الإعلام الحَربي السّوري.

المُحلّلون العَسكريون الإسرائيليون، ومُعظمهم من الجنرالات السابقين المُتقاعدين لم يتوقّفوا مُطلقًا، وطِوال السّنوات السابقة، عن التعبير عن قَلقهم من تنامي قوّة “حزب الله” وازدحام ترسانته العَسكريّة بأكثر من مِئة ألف صاروخٍ من بينها أنواعٌ مُتطوّرةٌ جدًّا في دقّتها وأبعادها، إلى جانب الخبرات القتالية للحزب المُتطوّرة، وامتلاكه لطائرات مُسيّرة بدون طيار حَلّقت إحداها فوق الجولان المُحتل، وجَرى إسقاطها قبل أيّام بصاروخ باتريوت، تتراوح قيمته بين مليوني وثلاثة ملايين دولار، بينما لم تَزد قيمتها عن بِضعة مِئات من الدولارات.

موشيه ايرنز، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق كَشف في مقالٍ نَشره اليوم في صحيفة “هآرتس″ الإسرائيليّة أن حُكومته اتّخذت قرارًا بالانسحاب من جنوب لبنان عام 1999 (كان يَرأسها ايهود باراك) لتقليص الخسائر البشريّة أوّلاً، وتوقيف “حزب الله” لعملياته العسكريّة، ولكن لم يَتحقّق أي من الهَدفين، فالهَجمات استمرّت انطلاقًا من جنوب لبنان، وخَسرت إسرائيل 120 جُنديًّا، و44 مدنيًّا في حرب تموز (يونيو) عام 2006، وأُصيب أكثر من ألفي شخص، وتدمير الدبابات والعَربات المُدرّعة، وتَحوّل “حزب الله” إلى “قوّة عُظمى” عقيدتها القتاليّة الدينيّة تدمير دولة إسرائيل.

كُنّا، والكثيرون غَيرنا، نُطالب الجيش العربي السوري، وحُلفاءه الرّوس بالرّد على هذهِ الغارات الإسرائيليّة ووَضع حدٍّ لها، ولا نَستبعد أن يكون إسقاط أحد الصواريخ الثلاثة فجر اليوم هو “أول الغيث”، مع مُلاحظة أن الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة لم تَعد تخترق الأجواء السوريّة، ويتم تحويل هذه المُهمّة إلى القَصف الصّاروخي من خارج الأجواء السوريّة، مِثلما حَدث في الغارة الأخيرة قبل ثلاثة أسابيع التي أطلقت صواريخها على مَعمل أبحاث صاروخي قُرب حمص من الأجواء اللبنانيّة.

***

نُدرك جيّدًا أن القيادة العسكريّة والسياسيّة الإسرائيليّة تعيش حالة من الرّعب من إنجازات الجيش السوري على الأرض، مِثلنا نُدرك نهاية الحرب في صورتها الحاليّة باتت وشيكة، وأن الحُكومة السوريّة أثبتت تماسكها ومُؤسّساتها، وأن إسرائيل تقوم بمِثل هذهِ الهَجمات مَحدودة الجَدوى (مطار دمشق يعمل بشكلٍ عادي) بهَدف “الاستفزاز″، وجر السلطات السوريّة وداعميها الرّوس إلى حرب، حذّر منها الرئيس فلاديمير بوتين الذي يُدير العمليات على الأرض السوريّة بدهاءٍ واضح، بالوعي لهذا المُخطّط الإسرائيلي وتَجنّب الوقوع في مَصيدة استفزاز هذه.

من الجيّد أن تكون هناك حُكومات وحركات عربيّة وإسلاميّة لم تستسلم لدولة الاحتلال، وما زالت تَرفع راية المُقاومة، وتُعزّز قُدراتها العسكريّة البديلة للتصدّي لهَجماتها، في وقتٍ يتباهى فيه نتنياهو ووزير أمنه، إفيغدور ليبرمان، بعلاقات تحالفيّة تطبيعيّة علنيّة وسريّة مع العَديد من الدّول العربيّة تحت عُنوان التصدّي للخَطر الإيراني.

حَدسنا الدّاخلي يقول لنا بأنّ سَنوات الإذلال والهزائم أوشكت على نهايتها، إن لم تَكن انتهت فعلاً، وأن سنوات النّهوض والكرامة قادمة وبسرعة، ونأمل أن يكون حَدسنا في مكانه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق