لن ننتصر ما لم نُحارِب، ولن نتفوق ما لم نتسابق، ولن نُذْكَر ما لم نُفكّر...
قد يعتقد البعض أنّي أعني بالحرب الصّولات والجولات وبالسّباق الجَريّ، وبالذّكْرِ التّرنّحَ...
لا أشير إلى صولةٍ، ولا جَريٍ ولا إلى ترنّحٍ، ليست تلك هي المفاهيم التي أروم التّعبير عنها، وليس ذلك قصدي، فالحرب في عالم اليوم ليست الحرب التّقليدية بأصوات الحديد،
وألسنة النّيران، إنها حرب أفكار والمعركة فيها مع العقول والصّراع مع الإنتاج، لذلك تحوّل إنفاق الأمم النّاجحة إلى التّفكير في القضاء على فكر وثقافة ومبادئ العدوّ، وانتزعت الدّراسات الاستراتيجية ميزانيات الجيوش بالطّريقة الحكيمة، لأن تفكيرا طائشا من "جلف" قد يهلك عشرات العلماء والمفكرين، وقد يقضي على اقتصاد أمّةٍ...
إن طبيعة هذا الصّراع الفكري هي وحدها التي تُشرّع للفِرقِ المُنتمية لبلدان تقع في منحدرات جغرافية، أن تُسابق أخرى تعيش على مرتفعات وهضاب، تعوّد عدّاؤوها معاسرة استنشاق الأكسجين، إنه التّفكير الريّاضي المحض الذي تَتِم بموجبه هزيمة فرق كرة القدم في أقوى بلدان العالم، على يد فريقٍ قادمٍ من أضعف بلدان العالم، لأن المعادلة هنا صادقة، ولأننا نبحث فعلا عن مجهولين اثنين، لذلك فإن الغَلبةَ لن تكون إلاّ لمن تَدرّب وتفنّن في الدّفاع والهجوم أمام الجمهور وفي الميدان وعلى الفضاء، أمّا أساليبُ الهجوم الصّامت فإنها لا تُعين على النّصر، ولا تبعث إلى الشّهرة، لأن غياب الحَكَم والتّفرد في الميدان أساليبٌ غير رياضية، تشبه إلى حدّ كبيرٍ تعاطي اللاّعبين المخالفين لقواعد اللّعب للمنشطات والمؤثرات العقلية.
الغالبية من المُتابعين سيُناصِرون داخل الميدان، وسيختارون الرّياضة... وستتشكل أغلبيةٌ تهوى الخطاب المقنع والرأي الصّادق المستنير، وسيعرفُ الغارقون في أوحال الأنا، وجنون الكبرياء، أن المَكر السيئ محيق بأهله...
المعارضة اليوم في وضع لا تحسد عليه، لارتماء أبرز قادتها في أحضان الرّغبة في السّلطة، على حساب أمن هذا البلد، والمُعارضة اليوم تعيش موتا سريريةً، بفعل توزّعها على قلب مائة رجل، والمعارضة اليوم تُطبّل للفشل، والمعارضة غارقةٌ في أحلام المُنقذ الصّوري، هي فرصة لمحو آثارها، واللّعب ببقايا خطاباتها، فالسّياسة الحكيمة هي ترَصّدُ لحظاتِ ضعف (العدوّ) واستغلال ذلك.
الأغلبية جذلى بنصرٍ حققه الرئيس، تنعم في هدوء أراد له الرئيس أن يكون، بخطابٍ صادقٍ يبعث الإحساس بالوطن والشّعور بالمسؤولية، خطاب كسّر كلّ أحلامهم، ورغم ذلك نبقى بحاجة إلى استغلال هذا الوضع بطريقة نُنكر فيها الذّات، ونحرق فيها الأحاسيس الكاذبة ببطولات يجب أن نرسمها واقعا، ونُريح فيها أنفسنا من صراع النّفس وتجييش الذّباب، لأننا نُدافع عن مشروع واحد، ومبدأ واحد، وهمٍ واحدٍ، وأي تنَصل من أحد هذه المواثيق، يعني فسخ العهدة بكاملها، والانفصام مع العرى والثوابت.
محمد سيدي عبد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق