الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

أفراح الشعب 12-12-1984

بين يدي هذه المجموعة:
الأستاذ/ محمد محمود ولد ودادي
وزيرالثقافة والإعلام


ها هي ذي بين يديك –أيها القارئ الكريم- باقة من القصائد كتبها شعراء موريتانيون في غمرة الفرح والابتهاج بعهد الحرية و المساواة والوئام في وهج الزهو والاعتزاز بالقائد الذي دشّن هذا العهد يوم 12 دجنبر 1984, فحطم الأغلال و رفع السيف المسلط على الرقاب و أعاد الأمن و الطمانينة إلى ربوع موريتانيا الحبيبة.
لقد كُتبَت هذ القصائد في مناسبات خاصة, فكانت ترحيبا صادقا و تقديرا وإكبارا لسيادة العقيد معاوية ولد سيد احمد الطائع إبّان جولته في بعض المناطق الداخلية, أو في ذكرى حركة التصحيح و لكنها بمحتواها تتجاوز الحدث العابر إلى ما هو أعمق و أبقى, فهي ترسم جوانب لوحة قاتمة لوضع البلاد قبل حركة التصحيح, و تسجل منجزات الحركة, و تحيي في رئيس الدولة نموذج الابن البار والمخلص المنقذ.
و قائع حية .. و حقائق مشهودة...
كانت البلاد قبل 12 دجنبر 1984 قد تحولت إلى سجن كبير لأبنائها فضاقت بهم الأرض بما رحبت ..و ساد الخوف و الهلع, واكتظت السجون بالمواطنين و اضطر كثيرون إلى أن يطلبوا خارج موريتانيا الأمن الذي فقدوه داخلها.
و رافق الرعب المتزايد تدهور متلاحق في الوضع الاقتصادي و المالي للدولة: مشارع تتعثر .. مديونية تتزايد ..أرصدة تتناقص لحد ينذر بالإفلاس.
و في هذا الجو النفسي والاقتصادي الموبوء نمت ظواهر مرضية فتاكة بقيم المجتمع و كيان الدولة الحضاري: تفشت الرشوة و تنامت النزعات القبلية والجهوية والطائفية السياسية الضيقة لتحل محل الدولة التي عجزت أن تضع نفسها في خدمة الشعب فخسرت ثقته.
و على الصعيد الإقليمي و الدولي, كانت الدولة تعيش عزلة خانقة نتيجة لفقدان عنصر الحكمة في السياسية الخارجية.
و في هذه الظروف العصيبة جاءت حركة 12 دجنبر, فواجهت التركة الثقيلة مواجهة و طنية شجاعة:
أفرغت السجون و أعادت الممتلكات المصادرة و أعادت للمواطن الثقة بوطنه ودولته و قررت أن مهمة الدولة هي توفير الأمن لمواطنيها و ضمان الحريات العمومية وليس العكس .. و دعت الشعب إلى التخلص من الوصاية التي يفرضها عليه من لا يمثلون مصالحه و المشاركة في تسيير شؤونه.
محاربة أمراض الإدارة والمجتمع: الرشوة.. القبلية.. المحسوبية إلخ..
و على المستوى الاقتصادي:
وضعت القيادة خطة تقويم سهرت على تنفيذها خير تنفيذ فأخرجت البلاد من مأزق حرج و كسبت ثقة الممولين وتقديرهم.
و على الصعيد الخارجي:
مدت القيادة يد الإخاء إلى جيرانها و إلى جميع الدول الشقيقة و الصديقة, و فتحت مع الجميع عهدا جديدا من التعاون أساسه الحرص على سيادة الدولة و استقلالها و تقدير حقائق الشعب الموريتاني و مصالحه و الرغبة في تعزيز عوامل الوحدة و التكامل والتفاهم في المحيط العربي-الإسلامي-الإفريقي, و على الساحة الدولية.
لقد غنى الشعراء لكل هذه المكاسب و ترجموا افراح الجماهير و آمالها و مطامحها إلى كلام موزون مقفى, نابض بالصدق, مفعم بالحرارة مشبع بالامل و الثقة والتفاؤل بالمستقبل ... و ما الشعراء إلا ضمير الشعب و لسانه المفصح عن وجدانه..و من هنا القيمة المتميزة لهذا الديوان.
ليست هذه القصائد من فئة المديح التقليدي الذي يدلل به الساسة و تستدر به العطايا والهبات ..فلا مزايدة و لا تملق .. و لا تمسح بالأعتاب , و إنما هي حقائق حية ووقائع ملموسة: سيوف أغمدت, و أغلال كسرت , و آمال بعثت من مرقد طويل..
هي فرحة الخائف بالأمن و المظلوم بالانتصاف و الأسير بالانعتاق ...
حَسْبُ الشعراء أن يكونوا قد جمعوا فيها بين عقل المؤرخ و عاطفة الإنسان و خيال الأديب , دون أن يفقدوا الصلة بالواقع, و حسب الكلمة فيها شرفها ..
إن شرف الكلمة هو أن تطابق المعنى الذي وضعت له, لا تفيض عنه إن هو لم يفض عنها, و الكلمة –في هذا الديوان- شريفة بقدر ما هي صادقة.

القصائد
/
أعياد قومي تلاحقت
محمد سالم ولد عدّود
معاويُ إني لست بالمتزلّف::و لست لقرض الشعر بالمتكلّف
و لكنها أعياد قومي تلاحقت::فما تقذف الأفراح في القلب يقذف
هنئيا لك العيدان فاسلم لثالث::بكانون يحيي ذكره كل منصف
ربيع و تشرين المجيد تعانقا::و قد وقفا في الصفّ أكرم موقف
ليستقبلا كانونك المشرق الذي::يطل على الآفاق إطلال مشرف
لبست من العيدين أبهج حلّة::فأبل و أخلف ثم أبل و أخلف
و جدّد من الإسلام ما كان قد عفا::و لا تن و انبذ لوم كل معنف
و سسنا بتوفيق و حلم و ضاعفن ::جهودك في ضم الشتات و كثّف
فإنك إن أخلصت الله في الذي::تحاول تنجح، ما الكريم بمخلف

تحية لدجمبر
أحمدُ ولد عبد القادر
دجنبر وافى طالعا يتبختر::تغنى له الأفلاك و الكون أزهر
نشيد سلام قرت العين وقعه::أهازيج يحدوهن نصر مؤزر
دجنبر هل أهدى لك الورد و السنى::أكاليل في أردانها تتعطر
و كيف وأنت النور و الشمس ظاهرت::ربيعا و برداها خزامى و عنبر
أحبك حبي للبلاد و إنه::هو الحب لا حبا سواه فيبهر
و لست بمدّاح لقوم و إن علوا::و لكن فضل الأرض للأرض يذكر
مسحت دموعا كنّ جمرا تقرّحت::مساربه سيلا يجيش و يسعر
و جئت لتمحو كلّ قيد ملطّخ::ينوش رقابا في الدجى تتكسر
و نادت بك الأكوان و الدهر شاهد::ألا إنما الإنسان فيك المظفّر
خلقنا بهذي الأرض قوما أعزّة::و أنفسنا بالخير تبنى و تعْمر
إذا غاب عنّا الماء و الخبز لم تغب::كرامتنا فيما نقول و نبصر
و ترضعنا الصحراء روح انعتاقها::نسيما طليقا في العوالم يخطر
فكيف تربينا السلاسل أمة::سوى ما خلقنا كيف نحيا و نقهر؟!
إذا ملك الإنسان حقّ احترامه::فكلّ اعتبار بعد ذلك يصغر
دجنبر مرحى فالرؤى تلد الرؤى::مجنحة تحنو إليك و تعبر
طلعت طلوع الفجر و الليل نائم::و سرت مسار البدر يعلو و يكبر
و إنّ رجالا قرّبوك لفتية::ستذكرهم أيامنا حين نفخر
تقدّم بنا إن السبيل طويلة::إلى أن يغطى الجدب للخصب مظهر
و نرفع من أمجادنا و تراثنا ::مشاعل يدعوها الغد المتطور
فذكراك باق في القلوب مناطها::تغنى له الأفلاك و الكون أزهر

دجمبر عيد المجد
ناجي محمد الإمام
دجمبر في الآماد عيدك أسطع::و حمدك موفور و ذكرك أرفع
فعهدك تصحيح و و عدك منجز::وقولك مفعول و فعلك أنجع
بيانك تقويم و صوتك ثورة::و هديك إيمان إلى الحقّ مهيع
و امنك تأمين و أمرك نافذ::و عرضك محفوظ و ووجهك أنصع
أتيت كما الغيث المرب فأمرعت::ربانا و فعل الخير للأرض ممرع
دجنبر هل ينساك شعب عتقته::و قد كان فيه الجور يرعى و يرتع
أينسى و كان القيد و الخوف سيدي::بلاد يعض الجوع منها و يقطع
أينسى نيوب الموت تنهش جلده::أينسى يد الجلاّد تكوي و تصفع؟
أينسى عزيزا ذلّ في كل مهمه::يطارده نذل الطبائع أجدع؟
"أبا أحمد" فجّرت نبع دجنبر::فأرويت ظامي المجد و المجد مربع
"أبا أحمد" حرّرت شعبا مكبلا::فأضحى على سامي العلا يتربّع
هو الشعب ما نامت على الضيم عينه::و عمر الطواغيت الزمان مضيع
"أبا أحمد" مرحى فعش متفرّدا::على قنن التاريخ تسمو و ترفع
"أبا أحمد" شنقيط و المجد وسمها::على هامك المرفوع بالخلد يطبع
تبايع فيك الابن و القائد الذي::على يده الآمال تبنى و تصنع
أبا أحمد "شنقيط" أعطتك سرّها::و إنك للأسرار أهل و موضع
أبا أحمد فاهنأ بعيد دجنبر ::فدهرك أعياد و مدحك مطلع
لواؤك منصور و جندك غالب::و حظّك موفور و نورك أسطع
أبا أحمد فاهنأ بشعب تقوده::فإنك أنت "السيف" و القوم "تُبَّع"ّ

كانون ملحمة العشاق
محمد كابر هاشم
كانون فجر و أشواق و ملحمة::و نجمة من نجوم المجد غرّاء
كانون مئذنة شما و مأسدة::معطا و سنبلة خضراء فيحاء
كانون ملحمة العشاق سنبلة::و نخلة فرعت في التيه معطاء
النخل من قبل ضاقت عراجنه::و استُنزف النسغ و الأملاح و الماء
ما إن ترى البسر في أعلى شمارخه::إلا و تسقطه نكباء هوجاء
به استطالت عجاف النخيل باسقة::و استأنست بحفيف البان ورقاء
الخيل من قبله هجن مغارسها::لا الخيل خيل و لا البيداء بيداء
أستغفر الله إلا ما تناقله::عن حرب داحس و الغبراء أنباء
من قبله أحرف الجر استعين بها::في الفعل بل صار في الأفعال أسماء
من قبله الأصمعي أضحى مغمغمة ::حروفه و استطاب اللحن فرّاء
دمع الحرائر كانون يكفكفه::فاليوم لا دمعة خرساء حراء

أسوت الجراح
الخليل بن أنحوي
لما أسأرت فيك الشهامة و الندى::لثارات مجد فيك ما ذهبت سدى
لعهد رعى الاحرار فيك ذمامه::لمجد قديم المأثرات تجدّدا
أهلل يا أرض البطولات و الفدا::و أهزج مزهوا و أصدح منشدا
هنيئا لهذ الشعب عيد انعتاقه::أما كان قبل اليوم حرا مقيدا؟
رهين جنايات أسير دعاية::تمـزقه شلوا و تطعمه الـردى
و تنكر منه وجهه و انتماءه::كأن ليس قحا في المضارب سيدا
أمتهم من دب لا من جريرة::و مضطهد, لم يات سوءا و ما اعتدى
وباكية العينين شاكية الحشى::يؤرقها ألاّ مجيب سوى الصدى
جراح و أنات هنا و هناك..لا ::تغادر كثبان البلاد و لا الكدى
تبث الجوى و الرعب في كل خيمة ::وقد وسعت شعبا مهيضا مسهدا
تضيق به سوح البلاد رحيبة::فيسعى طريدا حيث كان مشردا
هموم تسنمت الذرى فجلوتها::و خلصت منها الآن و الأين و المدى
أسوت الجراح الداميات ثواعبا::فجفت، و أغمدت الخناجر و المدى
و كفكفت، لوّنت الدموع التي همت::فصارت ندى البشرى، وما كانت الندى
محضتكَ ودّي لم أكن متزلفا::على دخن، كلاّ و لا متوددا
و لكنه الإنصاف و الخير يُبتغى::و ما زرع الشعب العظيم ليُحْصَدا
لأيامه البيضاء هذي و قبلها::تقحم يوما قائظ الحر أسودا
وضحّى و عانى لا تفل شباته::فغور في سوح الكفاح و أنجدا
فكنت به برا وفيا لعهده::تلم بجد شمله المتبددا
و تلبسه ثوب الأمان بأرضه::فلا غرو أن غنى بذكرك أو شدا
يبادلك الحب الذي أنت أهله::و يفتح صدرا كان بالهمّ موصدا
ويبسط كف العهد ..هذي يد الوفا::لما تبتغي منا العلى، فابسط اليدا
ألا أيها الآتي مع الفجر ومضة::تبدد عنه الغيهب المتبلدا
على القدر الموعود كان دجمبر::و كنت لأ عياد الكرامة موعدا
تهوّم في الآفاق أعراس بهجة::بها ادرع الشعب البشائر و ارتدى
لك الله إما كنت لله فانطلق::وعش للعلى, للمجد, للحق للهدى
تبوأ مكينا ما تشاء من الذرى::على دربك الميمون, لا تخف العدا
ولا ترتضي للشعب إلا انعتاقه::أنرت العشايا أن يعود مصفدا
وسسه برفق إنه الخير كلّه::و شيّد له بالعدل صرحا ممردا
و وطّئ له الأكناف بالحلم و ادعه::يُلَبّ, كما لبيتَ حين دعا الندا
لأنت ابنه البر الذي يزدهي به::و أنت الذي بوأته الأمن مقعدا
وكنت بما أوليته فخر يومه::فيا فخره في اليوم كن فخره غدا

كامل الود
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق