الأربعاء، 23 أغسطس 2023

حديث الأربعاء العقيد "تيام الحاج صامبا نوال" والي گيدماغة

 



في الحياة، بعض الأسماء تبقى محفورة في الذاكرة.. وترفض النسيان.

بعد أسبوع واحد من وصولي إلى "ولد اعلِ بابِ"، تم تعيين والي جديد هو العقيد "اتيام الحاج صامبا نوال، رحمه الله، خلفا لمفوض الشرطة "باه سولي" . وكنت بالطبع في استقباله لدى وصوله مطار المدينة. ورافقته في موكب مهيب حتى وصل منزله. وما إن نزلت من السيارة حتى طلبني الوالي "باه سولي" . حضرتُ و وجدته في "الصالون" رفقة الوالي الجديد. قال العقيد "تيام الحاج" : أنا سألتُ عن الحاكم. قلنا له : هذا هو الحاكم. 

نظر إليّ متعجباً مذهولاً، ولم ينبس ببنت شفة. ثم نظر إلى السماء واضعا يده على فمه، وقال: أهذا هو ولد بَلال، حاكم المقاطعة؟  قلنا : بلى هذا هو ! نظر إليَ مرة أخرى متمعنا و متفحصا ملامح الوجه والجسم. وهو ما زال في حال ارتباك وحيرة واندهاش عجيب..

ثم قطع صمته، وقال بتعجب و استغراب: سبحان الله، من يصدق أن هذا هو "ولد بَلال"؟ وبعد حين، عاد و طرح السؤال مرات ومرات بنبرة تعجب ساخرة لا تخلو من دعابة: هل حقا هذا الشاب النحيل الواقف أمامي هو "ولد بَلال"؟   

ثم التفت إلي وتحنّن، وقال : سوف أبوح لك بسر حتى تفهم لماذا لا أكاد أصدق. 

وبعد ذلك بمدّة، حكى لي القصة على انفراد..

قال : بعد تغيير 6 إبريل الماضي (1979) الذي حل بموجبه المجلس العسكري للخلاص الوطني محل المجلس العسكري للانقاذ، وأصبح أحمد ولد بوسيف (رحمه الله) وزيرا أول رئيسا للحكومة، تم تعيين "ولد بَلال" في مجلس الوزراء مديرا للشؤون السياسية في الأمانة الدائمة اللجنة العسكرية باقتراح من معالي الوزير، العقيد محمد ولد عبد القادر (كادير) وبمباركة من العقيد "بوسيف"، رئيس الوزراء. وانقسمت اللجنة حول هذه التعيين انقساما شديدا، وأثار فيها جدلاً ساخنًا بين من يعتبره غير قانوني، بحجة أن تعيين كبار الموظفين في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية ليس من صلاحيات مجلس الوزراء، بل من صلاحيات اللجنة حصرا، وبين من يرى أن الأمانة الدائمة وزارة مثل غيرها من الوزارات. 

وكانت هذه "النازلة" سببا في مشادات كلامية وخلافات حادة كادت أن تعصف باجتماع اللجنة، حيث طالب بعض الأعضاء بإلغاء قرار مجلس الوزراء، وإقالة السيد "ولد بلال". ورفض البعض الآخر هذا الطلب رفضا شديدا.

وبعد نقاشات طويلة ومناوشات كلامية حادة، اتضح أن أغلبية الآراء تميل لصالح الإلغاء. انسحب العقيد "كادير" من الاجتماع مغاضبا. عُلقت الجلسة، وأرسِل وفد برئاسة العقيد الشيخ ولد بيْدَّه لتلافي الوضع وإقناع "كادير" بالعودة إلى الاجتماع. وبعد ساعة انتظار طويلة، عاد الجميع إلى القاعة، واستؤنف الاجتماع. وتقرر إلغاء تعيين مجلس الوزراء، وإعادة المعني (ولد بَلال) إلى وزارته الأصلية (الداخلية) مع توصية خاصة بتعيينه في أول فرصة. وكان من قدر الله أن رحل العقيد "بوسيف" إلى جوار ربه الكريم في 27 مايو 1979، وكنت أنا هو وزير الداخلية. بادرت بتطبيق قرار اللجنة العسكرية، وأمرت بتحويل "ولد بلال" إلى هنا .. 

وأضاف ضاحكا ومداعبا: وسبحان الله العظيم، بعد تعيينك بعشرة أيام (وفي نفس الشهر، يونيو 1979) حصل تعديل وزاري، خرجت بموجبه من الحكومة، ثم من اللجنة العسكرية في إطار تصفية جناح المرحوم "بوسيف"، وها أنا معك اليوم في "سيلبابي"..

وقال مازحا: سامحني، إن من عاش هذه الزوبعة بكل تفاصيلها، وشاهد كيف أن "شخصا" كاد أن يعصف باجتماع اللجنة، لا بد وأن يتخيله عملاقا طويل القامة، ثقيل الوزن، عريض الكتفين، رياضي البنية، أو يتخيله جبلا أو فيلا أو أسدا.. ولذلك، ذهلت واندهشت عندما رأيت أن الأمر يتعلق بشاب نحيف، هزيل الجسم، رقيق البنية، خفيف الحاشية، أقل من وزن "الريشة" تلميحا إلى فن الملاكمة.

توفي العقيد والأخ العزيز، "تيام الحاج صمبا نوال"، ابن الوطن البار، الملتزم والنزيه يوم 28 ابريل 2014، في المستشفى العسكري (نواكشوط)، رحمه الله. عرفته كريما و شهما، يمتلك كل صفات الرجولة. فارس مغوار، شجاع ومقدام. لا أعلم كيف أصف وقفاته الدائمة معي، ولكن أسمه سيبقى محفورا في ذاكرتي إلى الأبد.

محمد فال ولد بَلال 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق