الجمعة، 25 يناير 2019

شارع جمال عبد الناصر في ضيافة "الأخ الكبير"!



مهما تكن مسوغات نزع تسمية شارع جمال عبد الناصر
، وإعادة وسمه بشارع "الوحدة الوطنية"! فقد تكون لهذه الخطوة دلالات رمزية بالغة الخطورة. وفضلا عن كون هذه التصرفات مثل سابقاتها، تعكس بجلاء نوعا من سلوك رهاب الخروج من السلطة، فهي تجسد شعارا من صميم عقيدة الحزب الاشتراكي الإنجليزي في رواية 1984 لجورج أورويل، حيث يعتبر كل شيء خارج سياق تفكير الحزب "جريمة فكر". يقول ذلك الشعار: "من يتحكم في الماضي يتحكم في المستقبل، ومن يتحكم في الحاضر يتحكم في الماضي".
عموما، يذكرنا هذا المشهد بمسلكيات الدولة الشمولية، كما صورتها ببراعة أحداث وشخوص رواية 1984 لجورج أورويل، التي ترسم مسار تطور شبح اسمه الطغيان، حيث يتم تركيز السلطة بيد واحدة، ويبدأ عندئذ تشكل كائن بشري جديد هو "الأخ الكبير" (Big Brother). باختصار شديد، ظلت رواية 1984 تدقُّ ناقوس الخطر، محذرةً من مستقبلٍ قاتِم، يسود فيه الاستبداد والظلم، وينذر باندلاع الحروب والدمار.
في ظل سلطة "الأخ الكبير" يخضع المجتمع لدكتاتورية فئة شمولية تحكم من خلال الحزب وأجهزة الدولة التسلطية التي تعتمد على أربع وزارات، هي وزارة "الحقيقة" لتزوير التاريخ وتحريف مقالات الصحف الأجنبية وتزييف الأخبار، ووزارة "الحب" التي تقوم بتعذيب النّاس وتعيينهم كجواسيس على بعضهم البعض، و وزارة "السلام" التي تختصُّ بشنِّ الحروب، وأخيرا وزارة "الوفرة"، التي تُعنى بتقنين كميات الطعام وتحديدها من أجل ضمان إخضاع النّاس عن طريق التجويع.
ومن خلال هذه الأجهزة، تتحول الرقابة الحكومية والتلاعب الإعلامي والتجييش السياسي، إلى واقع يومي يحاول غسل أدمغة الجماهير، وتأبيد سلطان "الأخ الكبير". ورغم أن عبقرية الكاتب جورج أورويل، قد صورت أحداث تلك الرواية منذ قرابة سبعين سنة خلت، إلا أنها تتمتع اليوم براهنية عجيبة عند مقاربتها بما يجري في العديد من بلدان العالم.
بطل رواية 1984 وينستون سميث، عضو في الحزب الحاكم، وموظف في وزارة "الحقيقة"
، وهي الجهاز المسؤول عن الدعاية ومراجعة التاريخ من خلال تغيير الحقائق والمعطيات، بحيث تتفق على الدوام مع رغبات "الأخ الكبير" وما يعلنه الحزب الحاكم، بناء على تعليمات تحدد التصحيحات المطلوبة، وتصفها بالتعديلات بدل التزييفات والأكاذيب، التي تتم غالبا باسم الدفاع عن الوطن والشعب. الشعارات التي يتبناها "الأخ الكبير" والحزب الاشتراكي الإنجليزي، هي من نوع: "نحن نعلم أن لا أحد يستحوذ على السُّلطة مع نية التخلي عنها"؛ "السلطة ليست وسيلة بل غاية"؛ "المرء لا يؤسس دكتاتورية ليحمي الثورة، بل يقوم بثورة ليؤسس دكتاتورية".

لنقم فقط بإجراء مقارنة بسيطة.. من أجل مصلحة موريتانيا ومستقبلها!
أين تقع الشعارات والأفكار والمبادرات، والتظاهرات، والمسيرات التي تروج عندنا منذ بعض الوقت والساعية لتحريك الشارع للمطالبة بمأمورية ثالثة.. مرورا بمحاولات تعديل الدستور بواسطة بعض نواب البرلمان.. ووصولا لمحاولة تغيير تسمية شارع الزعيم جمال عبد الناصر.. فأين موقع هذه الديناميكية ضمن عقيدة وشعارات الحزب الاشتراكي الإنجليزي في رواية 1984 لجورج أورويل؟ وهل دخل شارع جمال عبد الناصر.. ومعه البلاد كلها.. في ضيافة "الأخ الكبير"؟؟؟

محمد السالك ابراهيم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق