الجمعة، 19 يونيو 2020

إلى نخبة لحراطين ...رسالة من تحت المعاناة !



أدركت وأنا في الصغر بقية جيل من لحراطين، كان يكفي الواحد منهم، أن يُصبحَ سائق سيارة شخصية، يُسمح له باستغلالها خارج أوقات العمل، أو يُصْبِح بَوابًا، أو صانِعَ شايٍ في إحدى الوزارات أو الإدارات، ويشتريَّ بذلة من الملابس المستعملة، ويجمع عددا من المفاتيح يُبقيها دائما بين أصابعه في محاولة يائسة لإيهام الآخرين أنها مفاتيح سيارته التي لا توجد إلا في الخيال، أو أن يكون ذا حظوة لدى سادته السابقين-الحاليين.

يكفيه سبب واحدٌ من بين هذه الأسباب ليشعر أنه أفضل من بقية بني جلدته ويبدأ في معاملتهم بطريقة استعلائية فيها الكثير من الكِبْر والشعور بالأفضلية الموهومة والغطرسة الفجة.

أدركت كذلك جيلا آخر يكفي الواحد منهم أن يحصل على أبسط شهادة أو يتعلم كلمات مبعثرة من اللغة الفرنسية لا ناظم بينها سوى شعور من ينطقها بتباهٍ وافتخارٍ؛ أنَّ بني جلدته لا يفهمون ما يتحدث به، وأنهم سيعتبرونه مثقفا سبر أغوار المَدَنية، ولن يقبل أنه واحد منهم بعد ذلك، بل قد يتنكر لأقرب أهله ويزدريهم. أما إذا أتيحت له فرصة عمل في بعض المنظمات أو المؤسسات الدولية، وأصبح ذا مالٍ وجاهٍ فَقَبِلت به إحدى بنات الطبقة المرفهة من السادة السابقين، زوجا؛ فإن ذلك يُعَدُّ سببا كافيا بالنسبة له كي يفِرَّ من أخيه وأمه وأبيه، ويتخلى عن أخلص أصدقائه، ويقطع صلة الرحم إلى أن يرجع خاليَّ الوفاض، مهيض الجناح، أو يضع الموتُ نقطة نهاية لحياته.

حتى السياسيُّون الذين عَبَروا على ظهور لحراطين البؤساء إلى مناصب سياسية "سامية"، فإن أغلبهم تنكر لهم في اليوم الموالي لتعيينه، وأضرم نار اللؤم في حدائق ذلك الماضي النضالي الجميل، بعضهم عَامَلَ أشقاءه (أبناء و بنات أبيه وأمه) معاملة العبيد، التي طالما تشدق بالنضال ضدها، وبعضهم لا يجد في شيوخ بني جلدته ولا في شيبتهم أو عجزهم وتقدمهم في العمر ، ما يستحق التوقير والإحسان، في حين يكاد يخِرُّ ساجدا أمام صغار السن من سادته السابقين، ويبذل الغالي والنَّفيس لنيل صداقتهم واعترافهم.

تتجلى مثل هذه المظاهر المؤلمة وغيرها من المخَّلفات النفسية للاسترقاق في تصرفات الكثير منا وهي من أخطر ما نعاني منه ويشدنا دائما إلى الوراء!
أبوبكر المامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق