الأربعاء، 7 سبتمبر 2022

ذاكرة الدموع: عقد كامل على رحيل العبقري

 




تناغم صبر الإنسان وحجم طموحه مع هذه الأرض المباركة، مطوعا جغرافية صحاري الظمأ بذئابها  المفترسة، وليلها الداجي لاحتضان "الذاكرة المعرفية" لضفتي كوثر الساحل المتخم بتنوع الحضارات. 


على هذه الأرض، أورث الأسلاف قيم نبل الأبجدية وحب العلم واحترام المشتغلين به؛ وولع الأرواح بسحر الحرف وبهاء نطقه؛


بعيدا عن الحتميات السخيفة لجيل إيديولوجيا/الخردوات و "أدب" رسائل الجوال النصية، كان لأهل المعرفة على هذا الأديم احترام بحجم جمالية طموحهم لكرامة الإنسان المعتنق لأجمل طقوس مملكة العقل. 


في ممرات جنة العقل ذبلت الورود وتعودت البراعم أن تدمع كلما تناثرت فسيفساء الحكمة التي ارتوت من رحيقها أمم الصحراء الساحلية. 


إن اختفاء جسد العبقري محمد بن مولود بن داداه من بيته المطل على ساحة القدس بأحد أحياء العاصمة الشمالية؛ كدر أمة افتقدت أخلاق التقوى وورع العقل، وجمال الروح وثراء العمل؛


وهب الراحل حياته الدالقة لمداد العقل والإنصاف، لصقل مرجعية الإنسان بهدوء معرفي يسموا على صخب إعلام اليوم. 


بعد احتساء الطبق الممتلئ للعلوم الإنسانية بباريس المنتصرة، عاد أول طالب موريتاني بجامعات الفرنجة، ليبقي بحنكته وذكائه و معرفته الراسخة على نقطة "ذئبنا" التي جسدت سيادة الجمهورية الإسلامية الموريتانية. 


يعود الفضل إلى المغفور له، في كسر حواجز "التنافر الجهوي" بين أهل الولايات، وإحالتها إنتاجا ساخرا أثرى الأدب وعزز روابط المحبة والاعتبار؛


خنقت السياسة الإداري والدبلوماسي ورجل القرار، ليرحل ومكتبته النادرة إلى "عين السلامة" التي احتضنت نبوغه الأول. فطفق مذياعه القديم يروي في أوقات فراغه القليلة مسيرة العالم بعد أن أودع ضجيج المدينة ربطة عنقه الأنيقة والمحفظة الجلدية لملفاته الإدارية. 


أعاد حركية قوافل طلاب العلم إلى مرابض أجداده، ليستعيد سر سعادته بعد إكراهات العمل الحكومي الجامد.


نلت شرف الصلاة على جنازته الطاهرة وروحي ممتلئة حزنا على الرجل/ الإنسان، لكني وجدت عزائي في أنين الوزير محمد عالي شريف ودموع البروفسور محمدو أميّن؛ بالصفوف الأمامية خلف ذكرى رجل وفق في انتزاع حب أهل العقول من مجتمع قليل البكاء. 


اللهم ارحمه واغفر له واعف عنه وعافه؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.

كتبه عبد الله حرمة الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق