الخميس، 28 أبريل 2022

مسيرة الميثاق.. الضوء المسلط على تهميش لحراطين

 


بينما كان المناضل الأمريكي الأسود Martin Luther King Jr يلقي خطابه الخالد I have a dream "لدي حلم" في أول وأكبر مسيرة للسود في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1963 تحت عنوان "Jobs and freedom" كانت موريتانيا تتلمس طريقها نحو التشكل بعد ثلاث سنوات من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.

وفي حين كان السود في أمريكا يبحثون عن حقوقهم المدنية المشروعة، كان الرئيس الراحل المختار ولد داداه أول رئيس للبلد، يحاول التعامل مع تركة الاستعمار الثقيلة، ومجتمع بدوي غارق في ممارسة الاستعباد والطبقية، وكان عليه تأسيس دولة من العدم، لقد كان الحديث عن حقوق للعبيد و العبيد السابقين في ذلك الوقت ضرب ضروب من الجنون.

لقد تطلب خروج العبيد السابقين إلى الشارع في مسيرة مثل "مسيرة واشنطن" 54 عاما من عمر الدولة، شهدت هذه العقود الكثير من النضالات المختلفة ضد العبودية والتهميش، دفع خلالها أصحاب هذه الأفكار ثمنا باهظا، في مجتمع تقليدي مسيطر على مفاصل الدولة ومقنن للعبودية بالقرآن والحديث، حيث لا يمكن الجدال أو التكذيب.

عام 2014 قاد الزعيم الراحل محمد سعيد ولد همدي بكل وقاره وهدوئه وخبرته، أول وأكبر مسيرة في تاريخ موريتانيا تطالب بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، واختتم خطابه بالمنسابة أمام جمهور غفير يجمع كل الموريتانيين:

" نطمح لموريتانيا المستقبل، موريتانيا متصالحة مع ذاتها ومن أجل أمة موحدة"

بعد مسيرة واشنطن بعام واحد أي عام 1964 بدأت الحكومة الأمريكية العمل بقانون الحقوق المدنية وفي العام الذي يليه قانون حق التصويت، وتتالت انتصارات السود الأمريكيين على الفصل العنصري والتمييز، حتى وصلت إلى تسليم رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لأول رئيس أسود من أصول إفريقية، بعد تصويت الشعب الأمريكي له في انتخابات عام 2008. خرج باراك أوباما وفي اسمه شيء من أسمائنا، إلى شعبه ملوحا بيده، وعندها تحقق حلم "مارتن لوثر كينغ" الذي عبر عنه في مسيرة واشنطن.

غير أن حلم الراحل محمد سعيد ولد همدي وآخرين كثر، لم يتحقق بعد،  بعد عشر سنوات من التاريخ الذي سار فيه راجلا عشرات الكيلومترات في "مسيرة نواكشوط" بين "مسجد المغرب" حتى "مسجد ابن عباس". غادر ولد همدي قبل أن يرى موريتانيا التي يريد ونريدها، وهاهي المسيرة التي أطلق شرارتها قبل أن يودعنا في 2015، تنهي عقدها الأول، وما تزال مكسورة الخاطر، لا نظام من النظامين التي ولدت في أولهما، يريد الاستماع إلى صراخها. 

لقد كان طموح الأمريكيين السود، كبيرا، رفعوا السقف عاليا وقد حق لهم، وقد تحقق ذلك، لكن قادة لحراطين في موريتانيا ما يزال طموحهم الأكبر مذ ظهور الوعي المدني، هو تحقيق المساواة والعدالة والإنصاف، والتعليم والصحة والأوراق المدنية.. هذه حقوق ومطالب بسيطة يمكن تحقيقها في عام لمن امتلك الإرادة والشجاعة والنية الصادقة..

ولدت وثيقة ميثاق لحراطين للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وغادر الحكم حين غادره ولم يأمر قط طيلة فترته بشيء للميثاق سوى بإعطاء المنظمين وصل ترخيص للمسير، تلكم هي سياسيته "أترك الناس تقول ما تريد وسأفعل ما أريد"

وها هي مسيرة الميثاق ستخرج هذا العام في 29 من الشهر الجاري، في عهد الرئيس الجديد، بعدما نيف على نصف مأموريته، وهو الذي قال في خطاب ترشحه للرئاسة الموجه للشعب:

"سيكون ماثلا في مقدم اهتماماتي تكثيف الحظوظ لأي مكونة من شعبنا الغالي، عرفت غبنا اجتماعيا واقتصاديا عبر تاريخها"

ما أقرب تلك الكلمات من اسم الميثاق، وما أدق وصفها لمطالبه وشعاراته، وما أجملها عند لحراطين الطامحين لوجود نظام يلامس شغاف قلوبهم بوعود مثل هذه، فهل ستجد المسيرة هذا العام آذانا صاغية من رئيس قال كل من حظي بلقائه داعم أو معارض إنه يتمتع موهبة إصغاء وتفهم نادرة وإرادة للتغيير بادية للمحاورين؟ 

ستخرج المسيرة على أية حال كالعادة، وإن كان قد عطلها فيروس كورونا منذ ظهوره، سيحضرها كل موريتاني قادر باحث عن دولة للجميع، وستكون ككل المسيرات السابقة، متنوعة وقوية وباعثة برسالة محددة لمن يمتلك مقاليد الحكم" لقد تأخر تغيير الإنصاف كثيرا، الموريتانيون يريدون دولة للجميع، تكفل حقوق الجميع، وتساوي الكل" وإنه لمن الصدف الجميلة أن تأتي المسيرة بعد خطابات وصفت بالقوية والصريحة للرئيس محمد الشيخ الغزواني.

والإنصاف عبارة وإن كان رئيس الجمهورية قد تعهد بها عند ترشحه، فقد جاءت أيضا بعد ذلك على لسان وزيره الأول قبل أيام أمام البرلمان، حين عرضه لسياسة حكومته الجديدة، مما يعني حضور واقع لحراطين وشرائح أخرى في ذهن وبرنامج النظام الذي يقود الدولة، عسى أن تكون نتيجة ذلك التعهد وهذا البرنامج قريبة.

فهل سيكون اليوم الذي يعقب المسيرة أفضل؟ وهل ستحمل الأشهر والسنوات القادمة أمنية الأموات والأحياء ؟ وهل سيكون النهج الجديد مختلفا فعلا ؟

أيا موريتانيا التي نريد، أسرعي في خطاك فقد طال الانتظار..

السالك زيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق