في مجتمع خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت الناشئة تتربى أولا وقبل شيء على العقيدة. عندما تزداد الأسرة بمولود جديد يُرفع الأذان في أذنه اليمنى فَورا وتُقام الصلاة في أذنه اليسرى. فيكون أول ما يطرق سمعه في الوجود هو ذكر الله. وحين يشكو الولد ويبكي مثلا، نحاول تهدئته بالتغريد في أذنه "باسم الله" - "لا إله إلا الله - محمد رسول الله". وغالبا ما يهدأ عند سماع ذلك اللحن الجميل. و في المساء - عند النوم - يحين دور الجدة وحكاياتها عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم. تقص عليه من أحسن قصص الفتوحات والغزوات وحياة الصحابة (رضوان الله عليهم) ما تُثبِّتُ به فؤادَه على القيم السامية والأخلاق العالية.
وهكذا يتذوق الطفل طعم العقيدة ويتماسّ معها في سن مبكرة لأن البيئة العامة التي يترعرع فيها تفوح بعبق الذِّكر والتّوحيد. ويتربّى على معرفة الله لكثرة ما يسمع ويرى من تقديس وتنزيه مطلق لله سبحانه وتعالى: لكلام إلين يلحگ مولانا يوفَ تقديسا وتنزيها.. والخطاب اليومي والألفاظ المتداولة كلها تغرس في ذهن الولد معرفة الله بصفاته الواجبة، مثلا: حگ ألِّ وجبت لُ 20 صفة، و والله يا مولانَا ألّ واحد، وحگ ألّ جَ بيه جبريل من عند الله، وبركة النبي، إلخ .. ثم تبدأ مرحلة اللوح والقلم والمحظرة، وتحصيل العلم، إلخ.. والعلم هنا مطلوبٌ لذاته ولا لغيره.
كان المجتمع بمكوناته كافة يسير على نهج واحد، ونسق واحد، ومذهب واحد، ونظام تعليمي محظري واحد، ونظام قضائي واحد.. وهكذا ثَبَتَتْ أركان الدين في ذهن العامة واسْتَقَرَّ حالها على الاشعرية في العقيدة، والمالكية في الفقة، والبصرية في النحو. ولم يكن السلف يقبل الغوص في بحر "المتشابهات" إلاّ لمن هو أهلٌ لذلك، أي لمن يُحسِن السباحة والغوص.
وبفضل هذا النهج - نهج التواتر والتكرار - كنتَ تجد الطفل أحيانا يحفظ "مقدمة كتاب الاعتقاد"(ابن عاشر) حتى قبل أن يتقن القراءة والكتابة، فقط لطول ما سمعها تتكرر على أذنيه (يستَرْويها)، بما فيها من صفات واجبة لله أو مستحيلة أو جائزة في حقه تعالى.
يجب لله الوجود والقِدمْ
كذا البقاء والغِنى المطلق عمّْ
وخُلفُه لخلقه - بلا مثالْ
ووَحدة الذّات ووَصفٍ والفِعالْ
وقدرةٌ-إرادةٌ-عِلمٌ-حياةْ
سمعٌ-كلامٌ-بصرٌ ، ذي واجبات
إلخ…
موجبه : الشوكة من صغرها حادّة.. أدعو الآباء والأمهات إلى الاضطلاع بدورهم التربوي الصحيح. كما أدعو إلى مراجعة وتمحيص كل برامج الأطفال والأنشطة المنوطة بهم، وخاصة في مرحلة ما قبل المدرسة.. يعني في البيت والشارع، وفي دور الحضانة، ورياض الأطفال حيثما وجدت.. وإذا كانت العولمة فرضت علينا نمط حياة جديدة: هواتف ذكية، وقنوات إعلاميه، وعقليات سوقية، وعادات شيطانية، إلخ.. فما لها علينا من سلطان إلاّ أن دعتنا فاستجبنا لها. ولسان حالها يقول : لا تلوموني ولوموا أنفسكم.
في الحديث:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". مسؤولية الأبوين قائمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. والفطرة التي يولد عليها الإنسان هي فطرة الإسلام التي فطر الله الناس عليها يوم قال: "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى".
رمضان مبارك، جعلني الله وإياكم من عتقائه من النار.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق