شكل الشاي مادة ثقافية واجتماعية فاعلة في حياة الموريتانيين قديما وحديثا..
وقد نشأت عنه مدونة شعرية وفقهية لا يستهان بها، أثرت الساحة الثقافية ..
ويعتبر كتاب الدكتور عبد الله ولد بابكر من أبرز وأهم الكتب التي تعرضت لتاريخ الشاي في موريتانيا أدبا وفقها ..
يقول بابكر ابتداء من ص 75 :
" نجد أول ذكر للشاي في علاقته بأرض موريتانيا الحالية، ضمن هوامش مذكرات ضابط البحرية الفرنسية لاجاي Lajaille عن رحلته إلى السنغال عامي 1784 و1785 حيث تشير إلى أن الشاي الأخضر والسكر والتبغ كانت من بين البضائع التي تدفع مقابل الصمغ العربي، وذلك ضمن تعداد حمولة إحدى البواخر من البضاعة المجلوبة لهذه المقايضة في نهر السنغال، حيث شملت 12 رطلا من الشاي الأخضر و300 قالب سكر(ص182- 183).
ومع ذلك فإننا لا نجد ذكرا لاستعماله في تلك الفترة، كما أننا لم نجد ذكرًا للشاي(أي الورْﭬَـه) في مواد التبادل ولا في مكونات الضرائب العرفية المقدمة للسلطات المحلية، في حين نجد ذكرا للسكر وحده في الاتفاقيات التي عقدها Jean-Baptiste-Léonard Durand مدير شركة السنغال عام 1785 مع كل من أمير البراكنة (مْحمد بن المختار بن أغريشي) وأمير الترارزة (عْلي الكوري بن عْمر بن عْلي شنظورة) حيث تضمنت الضرائب ( الإكراميات) التي تعهد الفرنسيون بدفعها لهما ولبعض أعيان الإمارتين عددا من قوالب السكر التي سميت في النص العربي" كسرة" و"خبزة". فهل كانت تلك هي التسميات المستعملة قبل التواضع على مصطلح " صاڨ( ساق)" أم أن الأمر اجتهاد من المترجم كاجتهاداته الأخرى التي لا تطابق الاستعمال والواقع. وقد نشرت هذه الاتفاقيات في كتاب دوران المعنون "رحلة إلى السنغال.." وبالتحديد في ملحقه المعنون "أطلس للمساعدة على زيارة السنغال".
هذا ولا يوجد ذكر للشاي في كتاب الأب لابات عن إفريقيا الغربية التي لم يزرها ولكن يبدو أنه اعتمد فيه على مذكرات أندري برِوAndré Brue. ونحن نعلم أن أندري برِو قدم لضيوفه في سفينته على نهر السنغال عام 1698القهوة والشكلاطة، وشربوها بعدما تأكدوا من خلو الشكلاطة من الخمر ولحم الخنزير. كما قدم لزوجة أمير الترارزه القهوة والشكلاطة.
كما أننا لم نعثر على ذكر الأتاي في رحلتي بريسوه Brisson وسونيي Saugnier عبر الصحراء بعد نجاتهما من السفينتين اللتين غرقتا في الشواطئ الموريتانية الشمالية سنتي 1784 و1785. وقد تحدثا عن تجارة التبغ في جنوب المغرب. وفي رحلة بريسون وصف للخيمة وأثاثها. كما لا نجد حديثا عن استعماله في كتاب دورانه Durand مدير شركة السنغال عن مقامه في السنغال عامي 1785 و1786، المذكور آنفا، ولا في كتاب القس بوالا L’Abbé Boilat الذي قال في معرض حديثه عن أغذية البيضان في نهاية النصف الأول من القرن19 إنهم يتغذون في مُقامهم بالكسكس و"إِيـﭭْــجَانْ" (sanglé ) والأرز، وفي أسفارهم قد لا يجدون إلا تمرات وشيئا من الصمغ العربي، وأنهم يعدون القديد ويحفظونه للزاد، مشيرا إلى صبر الرجل على الجوع، وإلى تسمين النساء، ويقول إنهم يشربون في نهاية وجبات الطعام الماء أو اللبن( ص 373-376) .
ولم نجد ذكرا للشاي في كتاب مونغو بارك Mungo Park ، الذي زار المنطقة من غامبيا إلى مالي مرورا بالسنغال وجنوب شرق أرض البيضان في السنوات 1795 و96 و97 .
كما أن الوجبات التي كان الفرنسيون يقدمونها في بداية الثلاثينيات من القرن التاسع عشر لشيخ قبيلة أولاد خليفة أو للأمير لم تتضمن الشاي وشملت فقط السكر الأسمر .
وأول ذكر للأتاي وجدته في رحلة ولد اطوير الجنة الذي تحدث عن الأتاي خلال رحلته ما بين 1829 و1834 وكأنه متعود، هو وابنه سيدي محمد الصابر، على استهلاكه ويعرف قيمته كقِرى لإكرام الضيف، وقد عاد إلى ودان وفي متاعه مع الكتب " شروط الأتاي"، فقد ذكر وهو في طريق العودة أن أهل الصويرة وأهل فاس زودوه بأنواع مختلفة من الزاد منها أنواع الطعام و"شروط أتاي" وشمع(ص 287). ويذكر ما لقيه هو وابنه من إكرام السلطان( مولاي عبد الرحمن) وابنه سيدي محمد ( الذي ربطته صداقة حمية بسيدي محمد الصابر، ابن المؤلف ورفيقه)، ففي فاس كانت تأتيهم" أنواع القصاع النفائس وأتاي (ص 240) وفي مراكش" ..أتاي ليلا ونهارا"( ص279)، وفي الصويره" قصاع منوعة من الطعام وأتاي بكرة وعشية"(ص 287)، كما كان ابن السلطان لايفارق ابن المؤلف، "ولا يشرب لبنا ولا أتايا إلا وهو معه"(ص 271). وكان حاكم الجزائر الفرنسي قد زود السفينة التي حملت ولد طوير الجنة إلى جبل طارق(مجانا هو ومن معه)بأنواع الزاد إكراما له، ومنها الأتاي(ص219) وشروطه(ص 217)، كما يذكر أن النصارى الانكليز والفرنسيس أعطوه " أنواعا من الحوائج النفيسة الجيدة وقوالب السكر وأتاي والشمع"(ص228) "
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق