الاثنين، 10 يوليو 2017

الاثنين 10 يوليو 1978 والاثنين 10 يوليو 2017 أربعة عقود من حكم العسكر



يصادف اليوم الاثنين 10 يوليو 2017 الذكري الـ 39 لأول انقلاب عسكري في موريتانيا صبيحة الاثنين 10 يوليو 1978، حيث ظل العسكر منذ ذلك اليوم المشؤوم، يفرض سيطرته علي رقاب الشعب الموريتاني، الذي كلما حلم بأن يحكم نفسه بنفسه من خلال من يختاره ديمقراطيا، بدد ذلك الحلم البيان الاول الصادر عن كل انقلاب يستولي به ضابط على الحكم من آخر كان قد انقلب هو الآخر على من سبقه، حيث أصبحت موريتانيا يضرب بها المثل عالميا بكثرة الانقلابات.

وتأتي هذه الذكري اليوم في أجواء التحضير لانقلاب أخطر من جميع الانقلابات السابقة، لأنه هذه المرة انقلاب علي الدستور وعلى جميع الرموز الوطنية، التى ظلت توحد الشعب الموريتاني، وهي العلم والنشيد.
وبمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لانقلاب العاشر يوليو 1978، أنشر تفاصيل اللحظات الأولي لذلك الانقلاب، حيث عشتها، كما يلي:
بعد منتصف ليل العاشر يوليو 1978، غادرت محطة المسافرين في روصو عاصمة ترارزة، من بين ركاب سيارة أجرة 504، حيث كنت أجلس علي المقعد الأمامي بجانب السائق، عائدا الي نواكشوط، من مهمة للوكالة الموريتانية للصحافة والنشر تتعلق بتحقيق حول التعليم في الولاية.
وبينما كنت بين اليقظة والنوم، توقف السائق وسمعت من يخاطبه بالفرنسية بقوله: "قف علي اليمين وغادر أنت وجميع الركاب السيارة واتركوا جميع أمتعتكم ومن لديه سلاح فليصرح به" انتبهت لهذه الأوامر، غير العادية، وفتحت عيني فعرفت أن المكان هو تقاطع طريق روصو وطريق الامل "كرفور مدريد" حاليا وهي منطقة حينها خالية من جميع المباني باستثناء عشوائيات لأهل دحود، شرق الطريق، يحيط بها سياج من اسلاك الحديد، كما لاحظت أن مخاطب السائق ضابط من الجيش أسود البشرة، عرفت لاحقا أنه ملازم أول يسمي انيانك وبجانبه بعض الجنود يشهرون أسلحتهم.
نزلنا جميعا من السيارة وتقدمت الي الضابط وقدمت له نفسي وسألني عن بطاقتي المهنية فقدمتها له، مستفسرا عن ألأمر، فرد علي بأدب " لا أدري هي أوامر عسكرية، يجب عليكم الالتزام بها" فنظرت الي ساعتي فإذا هي تشير الي الخامسة إلا ربعا وكان من بين الركاب أثنين من الحرس الوطني، طلب منهما الجنود الوقوف جانبا وطلبوا من باقي الركاب التوجه شرقا حيث أدخلونا في حظيرة عشوائية أهل دحود ولاجتيازنا اسلاكها داس عليها الجنود بنعالهم وكانت سيارتنا، هي أول سيارة يتم توقيفها علي تقاطع طريق روصو وطريق الأمل وقبل مغادرتي السيارة أخذت رديو من حقيبتي فمنعني الضابط من اصطحابها.
ولاحظت أن الأضواء في نواكشوط غير مقطوعة وأن حركة السيارات فيها تسير بانسياب من خلال اضوائها وأن الأذان لصلاة الصبح يسمع من مساجدها وهو ما جعلني أبعد فرضية أن ألأمر يتعلق بدخول البوليزاريو للمدينة، كما اعتقد بعض الركاب وبعد دقائق أدخل علينا الجنود سائق سيارة 404 قادما من توجنين حيث كان يوزع الخبز فيها فأخبرنا بأنه لاحظ أثناء مروره من المنطقة المحيطة برئاسة الجمهورية، أن جميع الطرق فيها تسدها سيارات الجيش وأنه شاهد سيارة لاندروفير تخرج من باب الرئاسة الغربي بدون أضواء تتبعها سيارة أخري عليها مدفع ثقيل.
وكان الجنود يوقفون جميع السيارات القادمة من الشرق والجنوب المتجهه صوب العاصمة ويتركون السيارات المغادرة وقد ازدحمت المنطقة بالسيارات وركابها والكل يتساءل عن الحدث وعلمت من بعضهم أن الإذاعة فتحت متأخرة وتبث موسيقي عسكرية.
ولاحظت سيارة "جب" عسكرية وسط زحمة المرور قادمة من الشرق يقودها الرائد ـ حينها ـ المرحوم احمد سالم ولد سيدي مدير المدرسة العسكرية في اطار، بزيه المدني وبجانبه صبي عمره دون العاشرة، فاتجهت نحوه وسلمت عليه، حيث سبق أن تعرفت عليه عندما كنت مراسلا قبل ذلك للوكالة في ادرار، فسألنى عن ما يحدث فأخبرته بما شاهدت وسمعت، فقال لي أنه غادر نواكشوط ليلة البارحة متوجها الي توجونين (توجنين في تلك الفترة تابعة لواد الناقة وغير مرتبطة بنواكشوط معماريا) ولا علم له بأحداث غير عادية وأخبرني بأنه ذاهب الي المطار لإرسال الطفل الذي بجانه وهو أبن أخته إلي النعمة في الطائرة التي ستغادر مطار نواكشوط بعد قليل.
وعندما حاول ولد سيدي التقدم أوقفه الملازم انيانك وقدم له التحية وطلب منه التوقف، فقدم له نفسه برتبته ووظيفته وأنه لابد أن يصل المطار فورا قبل اقلاع الطائرة، فرد عليه الملازم بقوله "احتراماتي سيدي، هذه أوامر عسكرية أنتم أدرى مني بضرورة الإلتزام بها" أوقف الرئد احمد سالم ولد سيدي سيارته وبقي جالسا في مقعده، يراقب الوضع.
وفي حدود الساعة السابعة، وصلت سيارة مدنية (R 5) قادمة من وسط العاصمة، يقودها النقيب، حينها، المرحوم محمد محمود ولد الديه بزيه العسكري وتحدث مع الملازم انيانك وعاد أدراجه، بعد هذه المحادثة ابلغ الملازم الجميع بالسماح بالمغادرة صوب لكصر فقط، عدت الي سيارتي وذهبنا في اتجاه لكصر وعند وصولنا ما كان يعرف ب"النخيلات" مقر إدارة الجمارك حاليا، تم منع جميع السيارات من تجاوز المنطقة وسمح لركابها بالتوجه علي أقدامهم نحو لكصر وتيارت ومنعهم من التوجه صوب قلب العاصمة.
توجهت أنا نحو لكصر، بيدي حقيبتي وجهاز ارديو، حيث كانت الإذاعة تبث الموسيقي العسكرية وتكرر إعلان بصوت المدير العام للاذاعة خطري ولد جدو يدعو الشعب الي الهدوء وترقب إعلان هام ووصلت الي منزل النائب الحالي محمد الأمين ولد ادرغلي الامين العام لقسم شباب حزب الشعب في لكصر والمحاسب المركزي لمنظمة أرباب العمل، الواقع قرب ملعب لكصر الحالي وجدته نائما فأيقظته فأمتنع فقلت له "ڴومْ ولد داداه أعَـدَّلْ إعْليهْ إنْقِلابْ" فظنَّ أنني أريد إيقاظه فرد علي بقوله "ڴُـولْ الخيرْ إڴَصًرْ عُمْرَكْ" ففتحت له الإذاعة وأسمعته المسيقى العسكرية التي تبثها فاستيقظ.
وذهبت أنا وهو الي منزل السيد ولد عبد الله الامين العام المساعد حينها لمنظمة أرباب العمل قرب مباني حاكم تيارت، الذي اتصلت من عنده بالوكالة الموريتانية في حدود الساعة الـ 11 قبل منتصف النهار، حيث طلب مني مدير التحرير انتظار سيارة للوكالة (R4) لتقلني اليها.
في حدود الساعة الـ 13 ظهرا وصلت مقر الوكالة الواقع شرق المسجد السعودي، حيث كان بها عدد قليل جدا من العمال نظرا لتوقف حركة النقل ذلك اليوم ولحظر دخول وسط العاصمة وبعد وصولي كلفني مدير التحرير بايصال رزمة من برقيات الوكالات الي قيادة الاركان، التي وصلتها تقريبا الثانية ظهرا وعند مدخلها وجدت اسمي ودخلت وكان أول من التقيت به هو، المقدم، حينها، المرحوم الشيخ ولد بيدي، قائد الدرك الوطني، الذي أرسل معي من يدلني علي المكتب الذي علي أن اسلمه البرقيات وكان المكتب في الطابق العلوي، وقد وجدت فيه 3 ضباط عرفت منهم الملازم في الحرس عينين ولد أيه، الذي عين بعد ذلك بقليل مديرا عاما للإذاعة الوطنية، وقد تسلم مني البرقيات ضابط برتبة نقيب وسلمني مادة اعلامية للنشر في الوكالة وقد عرفت فيما بعد أنه المرحوم أحمد ولد منيه، الذي كلف من طرف الانقلابيين، برئاسة لجنة اتصال بينهم مع مؤسسات الإعلام، وكنت من بين الصحفيين الذي تم اعتمادهم من طرف مؤسساتهم لربط الاتصال بهذه اللجنة.

ماموني ولد مختار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق