الجمعة، 25 نوفمبر 2016

تاريخ المقاومة المسلحة في موريتانيا 1800ـ 1934 الدكتور محمد المختار ولد سيد محمد

الدور المحوري الذي أداه الشيخ ماء العينين ومريدوه في قيادة وتأطيرالعمل العسكري في المجال الشنقيطي
الوجود المكثف للعلماء والأمراء والقيادات العشائرية في مقدمة ركب المقاومة وفي أغلب معاركها في عموم التراب الموريتاني
أن عمليات المقاومة المسلحة قد دامت أكثر من ثلاثة عقود وكادت تغطي المجال المعروف ببلاد شنقيط
أن أكثر من سبعة وتسعين معركة قد جرت في جهات البلاد المختلفة بقيادة فردية أو مشتركة
أن ستة من هذه المعاركه قد شهدت مقتل القادة الميدانيين الفرنسيين.
أن أغلب فئات وأعراق المجتمع الموريتاني شاركت بمقدار في هذه المقاومة كل حسب ظروفه وقابلياته.
أن أساليب المقاومة قد اتخذت أشكالا مختلفة من العمل العسكري و الممانعة الاجتماعية، والمقاطعة الثقافية، والحصار الاقتصادي وتسميم الآبار، والهجرات الفردية والجماعية.
أنه في الفترة من 1903 إلى 1920 بلغ عدد القتلى من الفرنسيين والمجندين 603 بينما كانت خسائر المقاومة 963 شهيدا رغم فارق التسليح ولم يؤسر من المقاومين خلال سبعة عشر عاما إلا القليل و في ثلاث معارك متفرقة.
وسيصل عدد الخسائر البشرية، طبقا للمصادر المذكورة، مع توقف العمل العسكري في منتصف الثلاثينات إلى 1062 شهيدا و645 من المعسكر الآخر. ـ ويعدد ليوفيسكي واحدا وعشرين ضابطا فرنسيا قتلوا في مناطق آدرار والساحل في الفترة من 30 دجمبر 1908 إلى 14 مارس 1932 راجيا من الفرنسيين تخليدهم في سجل الأبطال
وحتى لا تكون قراءتنا لتاريخ المقاومة منقحة ولا منتقاة لا بد من تأشير بعض مواطن الخلل في أداء القوم من قبيل:
قلق الولاء حيث كان الانتقال من معسكر إلى آخر يتم بسهولة لافتة للنظر مما يسيئ إلى السمعة المشرفة للبعض ، وأحيانا يعيد الاعتبار للبعض من من كانوا في ركب الاحتلال ، وهذه الظاهرة الغريبة لم تكن إلا مظهرا من مظاهر الانتجاع في مجتمع مسكون بهاجس الرحيل، حتى في سياق المواقف المصيرية، ولعلها عيب خلقي مازال يلازمنا اليوم ويطوح بأغلبنا بين المولاة والمعارضة وبين اليسار واليمين بعد حوالي خمسين سنة من تاريخ الاستقلال.
ما تتضمنه الوثائق الفرنسية من إثباتات تتعلق بسعي بعض السادة والكبراء في المجتمع إلى القيام بدور المخبرين وحملة البريد غير المكتوب، لدرجة أحرجت بعض القادة الفرنسيين وحكام الدوائر، ولا سبيل إلى فصل الحديث عنها اليوم صونا لأعراض هؤلاء ، علما بأن مثل هذا السلوك يؤكد القاعدة التي تقول بأن الأوطان تسقط من الداخل قبل أن تستهدف من الخارج.
ما يلاحظ من خلط مقصود بين فعل المقاومة المشرف، وبعض مظاهر النهب والسلب واستهداف بعض الخصوم التقليديين تحت طائلة التسويغ الديني لأطراف قطبي القبول والرفض وهي ظاهرة كثيرا ما لازمت الحروب على امتداد تاريخ البشرية ولسنا فيها بدعا من غيرنا.
وصفوة القول إن الموريتانيين على الرغم من ضعف الوسائل، وتواضع الامكانات، وغياب قيادة موحدة وثابتة، ورغم قوة الخصم، وتأثير حلفائه المحليين، قد قاوموا الاحتلال الفرنسي بثبات وتفان، شهد به القادة العسكريون والكتاب الفرنسيون، فهذا غورو يقول: "... ليس باستطاعة من لم ير البيظان يقاتلون أن يدرك مدى بسالتهم... إنهم لا يملكون من السلاح إلا بنادقهم العتيقة، ورصاصها والخناجر، تراهم يختفون خلف أبسط حاجز يطلقون الرصاص، ويغيرون مواقعهم، تماما كما تفعل الوحوش" ، ومن جانبه يقول دشاسي: "... إنه إذا كانت فرنسا قد استطاعت إثبات حقوقها في هذه المنطقة (يعني موريتانيا) في مواجهة دول عظمى، خلال بضع سنوات، فإن فرض ذلك على هذا الشعب البدوي قد اقتضى ثلاثين سنة" . وعلى الجبهة الثقافية: مثلت مقاطعة المدرسة الاستعمارية، رغم ما انجر عنها من تبعات،سلاحا آخر من أسلحة المقاومة، ربما كان أصدق أنباء من السيف، فكانت المحظرة والزاوية والمسجد دروعا واقية وصمامات أمان للهوية العربية الإسلامية ولقيم المجتمع وموروثه الحضاري بكل مظاهره وتجلياته، ولعل مصداق هذا الحكم ما شهد به الحاكم الفرنسي العام في غرب إفريقيا في رسالة له إلى وزير المستعمرات يقول فيها" لقد وجدنا أمامنا شعبا يملك ماضيا مليئا بالأمجاد والفتوح مازالت عالقة في أذهانه... ومن الخطإ أن نقارنه بالشعوب الأخرى ذات التقاليد الأضعف والشعور الوطني الخافت" وإلى ذلك أشار الإداري الفرنسي Beyris بيري في تقرير سري في 20 أغشت سنة 1937 حين قال في سياق لا يخلو من المبالغة: " إنه لا يوجد مجتمع بدوي يبلغ مبلغ الموريتانيين في العلم بالعقيدة والأدب والفقه ... وإنهم ليتحدثون العربية الفصحى أحسن مما يتحدث بها سكان تونس والقاهرة... ولا تكاد تجد بينهم راعي إبل من أبسط الرعاة إلا ويترنم بالشعر الجاهلي"
وختاما لهذه المداخلة التي أردت لها أن تكون إثارة للموضوع لا إثراءا له، فإنني أرى أنه من المناسب أن يتوجه تفكيرنا نحو:
الشروع في مسح شامل للرواية الشفهية حول المقاومة في مظانها المختلفة وتدارك من بقي من الرواة. ـ بناء ذاكرة وطنية تعتز بالرموز والثوابت الحضارية تعكسها المقررات المدرسية والجامعية، وتنال حيزا مهما في وسائل الإعلام الرسمية والحرة. ـ العناية برجال المقاومة وتخليد مآثرهم ضمن رؤية وطنية تتجاوز المحابس القبلية والعرقية والجهوية ودروس المناقب، تأكيدا لمفهوم الدولة واحتراما لسيادتها، وترسيخا لقيم المواطنة والوعي المدني. ـ التفكير في إنشاء مؤسسة وطنية لتاريخ المقاومة يعهد إليها بجمع وتركيب ونقد هذا التاريخ، وتسند وصايتها لقطاعي التعليم والثقافة، تناط بها مهمة بناء معرفة تاريخية جادة تنطلق من نقد ما تنتجه الذات عن نفسها وما ينتجه الآخر عنها.
تأسيس متحف للتاريخ العسكري يؤرخ للمقاومة، ويجسد معاركها، ويحتضن صنوف الأسلحة التقليدية المستخدمة. ـ العناية بوثائق المقاومة باعتبارها ذاكرة أمة، وانتشالها من أيدي الإداريين، وإلحاقها بمؤسسات البحث العلمي، واسترجاع ما هو موجود منها في الأرشيفات الأجنبية. ـ تعريب الكتب المصدرية المتعلقة بتاريخ الاستعمار والمقاومة، ونشر الأطروحات التي عالجت هذا الموضوع ليعم نفعها. ـ تنسيق جهود المؤسسات المهتمة بحقل الدراسات التاريخية قسم التاريخ-مخبر الدراسات التاريخية- الجمعية التاريخية الموريتانية، جمعية التاريخ العسكري، المعهد الموريتاني للبحث العلمي. ـ تسهيل وصول الدارسين إلى مظان المصادر الوثائقية المتعلقة بالمقاومة، واعتماد أساليب البحث الجماعي الذي تتضافر فيه جهود مختلف الاختصاصات المتجاورة والمترابطة. ـ توسيع مدارك الأجيال الجديدة من الباحثين في ميدان التاريخ العسكري، بتدريس اللغات وعلم التوثيق والضوابط العلمية الضرورية للكتابة التاريخية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق