الأحد، 20 نوفمبر 2016

الشرارة التي أشعلت لهيب الساحة السياسية 2008

استجابة لطلبات عدد من الأصدقاء، طالبوني بنشر بعض ما كتبت عن التجاذبات السياسية أثناء وبعد انقلاب السادس أغسطس 2008، فقد قررت أن أعيد على صفحتي نشر بعض النماذج، حيث سأركز علي أراء مختلف الفاعلين السياسيين في الموالاة والمعارضة.

وسأبدأ بمقابلة أجريتها مع النائب، حينها، سيدي محمد ولد محم، الرئيس الحالي للحزب الحاكم، بعد أن قدم بتاريخ 30/06/2008 إلي سكرتير رئيس الجمعية الوطنية، ملتمس رقابة يهدف إلي حجب الثقة عن الحكومة (الصورة)
وسبب اختياري لهذه المقابلة، هو لكون تقديم ولد محم لهذا الملتمس، كان الشرارة التي أشعلت لهيب الساحة السياسية وما زالت تشعلها إلى يومنا هذا.
(رفقة المقابلة صورة بأسماء وتوقيعات 39 نائبا وافقوا علي تقديم الملتمس)
وفيما يلي نص المقابلة، كما نشرت في وكالة أنباء نواكشوط وفي صحيفة أخبار نواكشوط:
"النائب سيدي محمد ولد محم.. الناطق باسم النواب الساعين لحجب الثقة عن حكومة يحي ولد محمد الوقف، يشرح أسباب دوافعهم لذلك (مقابلة)
قبل أسابيع أعلن عدد من نواب حزب "عادل"، رفضهم للحكومة الجديدة التي يقودها الوزير الأول يحيى ولد أحمد الواقف، وبدأ الحديث عن فكرة حجب الثقة عن الحكومة، لكنها كانت في البداية مجرد شائعة، قيل إن عددا من نواب "عادل" لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، يقفون وراءها كنوع من التعبير عن غضبهم بسبب تهميشهم، بيد أن التطورات سارت بوتيرة متصاعدة، أوشكت أن تخرج الأمور عن سيطرة القائمين عليها، وبالموازاة مع ذلك بدأت الأنباء المتسربة من القصر الرمادي تتحدث عن خلافات بين رئيس الجمهورية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، والجنرالين محمد ولد عبد العزيز، ومحمد ولد الغزواني، وظهرت اتهامات بهذا الخصوص إلى العلن جاءت على لسان بعض نواب وقادة حزب اتحاد قوى التقدم المشارك في الحكومة.
"وكالة أنباء نواكشوط" التقت النائب سيدي محمد ولد محم رئيس لجنة العدل والدفاع والداخلية بالجمعية الوطنية، الذي قدم ملتمس حجب الثقة عن الحكومة، وحاورته حول أساب هذا التحرك وعلاقة النواب الموقعين على الملتمس بضباط الجيش الغاضبين، وبالمعارضة، وموقفهم من الاتهامات التي توجه لهم بهذا الخصوص:


س؟ ونا: اقتصرتم في ملتمس حجب الثقة على أسباب اقتصادية واجتماعية، في حين أهملتم الدوافع السياسية لهذا الملتمس، ما هي أبرز تلك الدوافع السياسية؟
ج: سيدي محمد ولد محم: لقد أوضحنا أسبابنا في البيان الذي أصدرناه و نشرتموه في موقعكم، و من أهم هذه الأسباب كون هذه الحكومة شكلت دون أدنى تشاور مع الأكثرية البرلمانية التي يفترض أن توفر لها الدعم السياسي، و تمنحها المشروعية و السند الشعبي، كما أن هذه الحكومة لا تعكس الأكثرية التي أفرزتها صناديق الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية، وبذلك فهي في نظرنا غير مؤهلة لقيادة البلد، بالإضافة إلى كونها غير قادرة على تنفيذ البرنامج الإنتخابي لرئيس الجمهورية، ولا يمكن لأي سياسي ذي مصداقية أن يبرر بقاء حكومة يعارضها أكثر من ثلثي نواب الجمعية الوطنية، فأية ديمقراطية شوهاء تلك التي يسعى إليها البعض، حين يكون البلد محكوما من طرف أقلية بغض النظر عن ماضيها و ما ترمز إليه، ونسمح لانفسنا بوصفه بالديمقراطية؟؟
كما أن هذه الحكومة قد أضعفت المعارضة الديمقراطية، بسحبها لحزبين من أحزابها دون مبرر سياسي واضح ووجيه، ودون أن نعرف مضامين العقد السياسي معهما، في وقت تعيش فيه قوى سياسية كبيرة ومهمة من الأكثرية على هامش السلطة، دون أن يسمح لها بالمشاركة في إدارة البلد رغم استحقاقها لذلك برنامجا و خطابا، تلك هي خلفية السؤال الكبير داخل الأكثرية، إذ كيف لوزراء كانوا منذ أشهر معدودة يرفضون برنامجا انتخابيا و خطابا سياسيا، و يعتبرون من أشد خصومه في الساحة الوطنية، أن يتحولون بقدرة قادر و في لحظات إلى وزراء ينفذون هذا البرنامج و يسهرون على تطبيقه، ذلك بطبيعة الحال سؤال لا يحتمل أكثر من إحدى إجابتين.
س؟ ونا: اتهمكم أنصار الحكومة الحالية بأنكم أدوات في أيدي قادة الجيش، يُصفون بكم حساباتهم السياسية مع رئيس الجمهورية، ما مدى صحة هذا الاتهام؟
ج: س.م. محم: في البدء لا علم لي بأي صراع بين الرئيس وجنرالاته، و لا بأية حسابات تصفى، ذلك ما أكده السيد رئيس الجمهورية في لقائه مع قادة الأحزاب المشكلة للحكومة، كما في لقاءاته مع بعض النواب، وبغض النظر عن ذلك فنحن لسنا أدوات في يد أي كان، نحن نواب يمارسون قناعتهم وصلاحياتهم الدستورية لصالح الأمة التي يمثلون، ولنا دياليكتيكنا و اجتهادنا و فقهنا في التعاطي مع الواقع، نحترم للآخرين اجتهادهم و ما فقهوا، ونعتقد أنهم في اجتهادهم إنما يمارسون اليوم ما أخذوه علينا بالأمس القريب جدا مهما كانت تبريراتهم وقدرتهم على الملاسنة، فلذا عليهم أن يسمحوا لنا بما سمحوا به لأنفسهم دون اتهام ولا تجريح، و من موقع المسؤولية الذي نحن فيه فإننا نتعاطى بإيجابية مع كافة مؤسسات الجمهورية و أجهزتها دون استثناء ودون حرج، و نعتقد بتكاملها و بضرورة انتظامها و انسجامها في إطار خيار التغيير و الإصلاح الذي تجمع عليه كل القوى الوطنية، و إن تباينت في فهمه ومساحة فضائه، لقد ساندنا برنامج الفترة الإنتقالية و لم نجد حرجا في كون هذا البرنامج يقدم إلينا من طرف الجيش الوطني، و بالتالي فإننا لن ندعم الفساد و قمع الأكثرية لمجرد أن الجيش وضباطه يرفضون ذلك و يعارضونه، وحين نتقاطع مع الجيش في ذلك فهو أمر في غاية الإيجابية وطنيا ولا نخجل منه.
س؟ ونا: من المعلوم لدى الجميع أن الجنرالات غير راضين عن الحكومة الحالية، هل تستطيعون أن تقنعوا الرأي العام أن رفضكم أنتم أيضا لها، كان مجرد توافق بين الموقفين وقع صدفة ودون أي تنسيق مسبق؟
ج: س.م.محم- ولماذا تفترضون غير ذلك؟؟ و لماذا ترفضون أن يكون النواب مرآة معبرة عن هموم ناخبيهم الذين من بينهم أفراد الجيش؟؟
قليل ما هم المدافعون عن هذه الحكومة، والذين فعلوا ذلك لم يقدموا ما يثبت جدارتها و قدرتها على إدارة البلد، بل صوبوا سهامهم نحو النواب و الجيش، و كالوا للكل ما شاءوا من الاتهامات، مع أن لبعضهم تاريخا عريقا في التعاطي مع مختلف الأنظمة العسكرية الاستبدادية التي عرفها تاريخ البلد، كما أن ممارستهم للعبة القبلية التي أعطتهم فرصتهم الأخيرة جعلت منهم قبليين ورجال قبيلة بامتياز.
س؟ ونا: لماذا تأخر رد فعلكم أكثر من شهرين بعد تشكيل الحكومة، وكيف نشأت فكرة حجب الثقة عن الحكومة؟ ومتى كان ذلك؟
ج: س.م.محم: كثيرون يصفون حركتنا هذه بالمتسرعة رغم مضي الفترة الذي ذكرت، والتي تقل عن شهرين على الأصح، و أذكر أن الفكرة نشأت مباشرة بعد تشكيل الحكومة، لكنها كأية فكرة تطلبت وقتا لإنضاجها و التبشير بها، و لقد نمت في البداية كخيار بين عدة خيارات، كان من بينها الانسحاب من "حزب عادل" و ربما الإنسحاب من الموالاة إلى المعارضة، و لكن التفكير أخيرا استقر على فكرة حجب الثقة التي شكلت حلا توافقيا بين العديد من النواب، الذين فضلوا التعاطي الإيجابي مع المشكل بدل الإنسحاب منه، و لما ينجر عن إيداع ملتمس الرقابة هذا من تكريس للمسلكيات الديمقراطية، وإغناء لتجربتنا الوليدة.
س؟ ونا: لماذا تريدون إسقاط الحكومة قبل أن تقدم برنامجها السياسي أمام البرلمان؟
ج: س.م.محم: لا يوجد ترابط قانوني بين الأمرين، و لا يوجد نص دستوري يلزم الحكومة وجوبا بتقديم بيان ببرنامجها السياسي أمام البرلمان، و لا يحدد لذلك أجلا زمنيا، كما أن للجمعية الوطنية الحق في حجب الثقة عن الحكومة و لأسباب قد لا تكون ذات صلة ببرنامج الحكومة، بل ربما لأسباب أخلاقية أو سياسية، مع أنه كان على هذه الحكومة أن تستقيل حين أدركت أنها حكومة أقلية، وأن أكثر من ثلثي نواب الجمعية الوطنية يعارضونها، ذلك ما تقتضيه الأعراف والمسلكيات الديمقراطية.
س؟ ونا: هل طلب الجنرالات لقاءكم، أو لقاء أي من زملائكم؟
ج: س.م.محم: عن نفسي، نعم، لقد التقيت بهم كما التقى بهم رئيس الجمعية الوطنية ورئيس الجمهورية والوزير الأول، والتقى بهم العديد من قادة الأحزاب السياسية، وكرئيس للجنة العدل والداخلية و الدفاع بالجمعية الوطنية، فإن لقاءاتي دورية في غالب الأحيان مع كل الضباط بالجيش، و لا أجد أي أمر غريب في ذلك.
س؟ ونا: هل تعتقدون أن الرئيس سيتفرج عليكم وأنتم تطيحون بحكومته التي اختارها وعينها، دون أن يحل البرلمان، وما ذا أنتم فاعلون لو أقدم على تلك الخطوة؟
ج: س.م.محم: دون ريب، و كما كررت دائما، من صلاحيات رئيس الجمهورية حل الجمعية الوطنية و في أي وقت يشاء، لكنه من الصعب أن يبرر ذلك للأمة، و لا يعقل أن يقدم سيادته على خطوة كهذه لمجرد أن الجمعية مارست بعضا من صلاحياتها الدستورية، إلا إذا كان يريدها جمعية مصفقين و طابورا من المنتفعين، وهو أمر نربأ بالرجل الذي حملته صناديق الإقتراع إلى سدة الرئاسة عنه، و مهما يكن فنحن جاهزون لكل الإحتمالات و لن نقبل أن يكون الحل سلاحا مرفوعا لإسكاتنا، الشعب وحده من جاء بنا إلى هنا، وسنظل صوته بالبرلمان أو خارجه.
س؟ ونا: هل طلبتم من الرئيس إقالة الحكومة، أو إجراء تعديل وزاري ينحي بموجبه الشخصيات التي تعترضون عليها، قبل أن تلجئوا لحجب الثقة عن الحكومة، وما هو رده؟
ج: س.م.محم: لجنة الاتصال التي شكلها النواب والتي أنا عضو فيها لم تلتق لحد الساعة بالسيد الرئيس، و بالتالي فلم يكن هناك أي حديث من هذا النوع.
س؟ ونا: هل يدخل الوزير الأول الحالي ورئيس حزب عادل يحيى ولد أحمد الواقف، ضمن الشخصيات التي تعترضون عليها؟
ج: س.م.محم: نحن لم نسع إلى حجب الثقة عن شخص بعينه، فالوزير الأول والوزراء مسؤولون تضامنيا أمام الجمعية الوطنية، و منظومتنا الدستورية لا تتيح غير ذلك، ولا تحجب الثقة إلا عن الحكومة مجتمعة.
س؟ ونا: لماذا أقصيتم حتى الآن أحزاب المعارضة من تنسيقاتكم رغم تأكيدهم الاستعداد للتصويت لصالح حجب الثقة؟
ج: س.م.محم: لا، نحن لم نتعمد إقصاء أحد ولا استبعاده، وصرحنا دائما بأن الباب مفتوح لكل القوى الوطنية، إلا أن تحركنا داخل الأكثرية بكل أطيافها أمر يفرضه الواقع الموضوعي، فالحكومة لا تدعي دعم المعارضة لها بل دعم الأكثرية، ومع ذلك فإننا نقدر عاليا دعم كل قوى المعارضة لنا، وبشكل خاص حزب تكتل القوى الديمقراطية وزعيمه السيد أحمد ولد داداه.
س؟ ونا: ما ذا بعد حجب الثقة عن الحكومة؟
س.م.محم: الإحتمال الراجح أن يقوم رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديد بالتشاور مع الأكثرية البرلمانية، و بشكل يصحح ما وقع من أخطاء.
س؟ ونا: ألا تعتقدون أنكم اخترتم توقيتا حرجا في تاريخ البلد، حيث يواجه المواطنون مجاعة مرتقبة، وارتفاعا جنونيا للأسعار، وتطحنهم الأزمات، وفجأة أربكتم الدولة وأجهزتها بمعارك سياسية جانبية، لا تطعم جائعا ولا تسقي ظمآنا؟
ج: س.م.محم: بالعكس تماما، فظروف المواطنين السيئة و الأزمات التي تطحنهم والتي نحسها أكثر من غيرنا، هي ما دفعنا إلى التحرك لأن و ضع المواطن لم يعد يحتمل، و نعتقد جازمين أن تحركنا من شأنه أن يطعم الجائع و يروي الظمآن، ذلك قصدنا و تلك غايته.
س؟ ونا: لماذا تحملتم أنتم شخصيا مسؤولية تقديم الملتمس باسمكم، دون غيركم من النواب المتحمسين لحجب الثقة عن الحكومة؟
ج: س.م.محم: زملائي كلفوني بذلك، و أعتقد أنهم في ذلك كانوا أكثر إيثارا و تضحيه، فكلهم أحق بشرف الأمر مني بكل تأكيد.
س؟ ونا: هل لديكم شخصيا أطماع سياسية تسعون لتحقيقها من وراء هذا التحرك.
ج: س.م.محم: نعم، خدمة الناس
اجري المقابلة وحررها: ماموني ولد مختار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق