عرف عن سكان هذه البلاد منذ القدم حب التنقل وكانت ظهور العيس وسيلتهم لخوض غمار الترحال توقا إلى رحابة الصحراء، لكن هذا التنقل المحدود في الحيّز الجغرافي”لبلاد السيبة”
لم يأخذ شكل هجرات جماعية للسكان رغم كثرة الحروب بين القبائل وانعدام السلطة المركزية، وكانت رحلة الحج القديمة هي المدى الأقصى لهؤلاء للسكان وقد حملت بعضا من خيرة علماء هذه البلاد إلى بلاد الحجاز والشام وحتى العراق ومصر لتصم شهرة العلماء الشناقطة الآذان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن الهجرة العلمية والدينية هذه توقفت بعد الاستقلال لتحل محلها هجرة أخرى ذات دوافع اقتصادية بحتة، مع توالي سنوات الجفاف والاضطرابات السياسية الناجمة عن الانقلابات العسكرية والخلل الاجتماعي الذي سببته الهجرة من الريف إلى مدن لاتتوفر فيها فرص عمل كثيرة
شهدت العشرية الأخيرة موجات نزوح غير مسبوقة للشباب الموريتاني في كل الاتجاهات كانت البداية من الجوار الإفريقي كالسنغال وغامبيا وساحل العاج ثم توسعت هذه الهجرة باتجاه بلدان وسط وجنوب القارة كالكونغو وآنغولا، وترافقت هذه الموجات مع انتشار موضة”آمريك” كما سماها شباب التسعينيات حيث باتت بلاد العم سام الوجهة الأولى للباحثين عن فرص في العالم الجديد.
دوافع هذه الهجرة لم تكن في معظمها اقتصادية حيث شهدت بداية الألفية الجديدة،موجة هجرة للشباب الساخطين على النظام السياسي الحاكم آنذاك الذي وصفوه بالدكتاتورية توجه أغلب هؤولاء إلى فرنسا وبلجيكا وبلدان أوروبية أخرى.
اليوم تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من نصف الشباب الموريتاني فوق سن الثامنة عشرة تراودهم أحلام الهجرة وأن عشرة بالمائة من هؤلاء يغادرون سنويا بعرض الهجرة،مايعني تفريغ الوطن من طاقات شابة هو في أمس الحاجة إليها، في بعض الأحيان صرفت الدولة الموريتانية الملايين على منح دراسية لصالح هؤلاء الشباب في جامعات دولية وتركتهم يواجهون البطالة بعد عودتهم لتتلقفهم دول أخرى لم تخسر عليهم دولار واحدا ويكونو مساهمين في إدارة عجلتها الاقتصادية، لحد اليوم لايبدو أن الحكومات المتعاقبة قدرت خطورة تفريغ وطن قليل السكان كبلادنا من طاقته الشابة، حيث لم نسمع يوما بخطة حكومية للحد من هذه الهجرة أو لتشجيع الشباب على البقاء في ظل عوامل طرد كثيرة تبدأ من البطالة ولاتنتهي عند الفقر والعوز الشديد.
يغادرون فرادى وجماعات يحلمون بوطن يُؤْمِن العيش الكريم ويحملون الوطن بين جوانحهم ولسان حالهم يقول عائدون ياوطني طال الدهر أن قصر.
بقلم : حنان محمد سيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق