تذكرني التّفسيرات المختلفة للنّص الذي كتبه الدكتور الكنتي بقصة العميان الثلاثة الذين جسّ كل واحد منهم عضوا من جلد الفيل و اختلفوا اختلافا كبيرا في وصفهم للجسم الذي لامسوه !!
يقسم الشخص الذي تولى رأس الفيل و لمس أذنه، أنه لمس جسما ضعيفا لا يقدر صاحبه على تحمل أشعة الشمس، و يرى الثاني الذي وضع كفيه على ظهر الفيل أنه لمس هضبة من طين لازب، أما الثالث الذي أخذ بذيل الفيل فلا يساوره شك أن المطر نزل قبل لحظات على الأيكة التي لمسها...
الحق و الصدق خالفا العميان في ما ذهبوا إليه، و الحق و الصدق وافقا العميان أيضا في ما ذهبوا إليه، لأن كل واحد وصف المنطقة التي جسّها وصفا دقيقا، لكنهم لم يتصوّروا أنهم و قفوا في مناطق مختلفة من جسم حيوان واحد اسمه الفيل، و أن أجزاء الأشياء الحية و الحيوانات الرّاقية، تأخذ أشكالا مختلفة على العكس من الأشياء الجامدة التي يختلط رأسها بذيلها...
الكتابة شيء حيّ يأخذ أشكالا مختلفة تستدعي تعدد التّأويلات و القراءات، و الكتابة شفرات موجهة بالطريقة الذكية إلى العارفين بفكّ الألغاز و المولعين بترويض الأذهان، و الكتابة إبداع؛ و الإبداع مادة لتفاوت الفهم، أما الحروف الموجهة للمبتدئين و الأطفال فإنها دروس من التّهجي و أدواة للإخبار...
أعتقد أن الكنتي كاتب و أنه جاء بهذا النّص الجميل ليوصل رسائل واضحة و قوية هي التي فك شفراتها في نهاية مقاله الرّائع، و أنه إنما دسّ عنصر التشويق ليقود القارئ للوصول إلى تلك النتيجة التي ترونها إخبارا بأن الليل ليل و النهار نهار، و يراها الكنتي مسألة تستحق الذّكر، أما ما ذهبت إليه أذهان البعض من أشياء غاية في التطرف فأعتقد أن مردّها قصور في الفهم أو سوء في الطوية و محاولات جائرة لرسم طلاسم سحرية على قسمات نص يحكي قصصا مشهودة بأسلوب سردي جميل...
محمد محمد فال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق