في معجم السياسة يتداول مصطلح «حكومة الظل»، وفي المجال العسكري الوطني، يوجد مصطلح «الجندي المجهول»، وفي كل ذلك مسعى إلى صرف الأنظار عن التركيز على بؤرة الضوء، التي يحتلها أبطال أنانيون في جميع مجالات الحياة، ليسوا أجدر بها من «أبطال الظل»، الأكثر نكرانا للذات، والأكثر تضحية من أجل صنع «البطولة» شبه الوهمية لعشاقها الانتهازين، المستحوذين على الريع الرمزي، من الشهرة، والمجد، والتقدير، والثراء.. دون صانعيهم.
إن عيون «الكاميرات»، وعدسات التصوير.. خلفها صانعو المجد.. لأبطال هم أقل منهم بطولة، فعندما ترى أبطال المسلسلات الخارقين، فكر فيمن خلف الكواليس، من مبدعي السيناريو، والمخرجين، والمصورين، والمعدين.. الذين لا تراهم في دائرة الضوء.. وعندما ترى أبطال لاعبي كرة القدم.. فكر فيمن هيأوا لهم الهدف، ومنحوهم شرفه، وحين تسمع خطابات الزعماء السياسيين، والقادة الإداريين؛ فتعجبك- وقلما يحدث ذلك في عالمنا العربي- فاعلم أن هناك -خلف دائرة الضوء- أبطال بيان ومعرفة وسياسة هم الذين تسمع.. يمنحون الجهال، وأنصاف الأميين شرف البلاغة.. وحين ترى أبطال الأفلام الوثائقية المغامرين في مخاطر القطبين الجليديين المتجمدين، أو في مغامرات تسلق القمم العليا في «أفرست» وغيرها، أو في مغامرات الغوص في أعماق البحار، مع القروش، أو في سباحة الأنهار مع التماسيح وأفراس النهر، أو في مغامرات الغابات، تسلقا للأشجار، ومعايشة للحيوانات المفترسة، أو في اعتساف الصحاري، فوق رمضاء الرمال الحارقة، وتحت لهيب الهواجر، ولفح سمومها.... فكر فيمن صوروا كل تلك الأفلام ورافقوا أبطالها في كل مغامراتهم الموصوفة بالخارقة، فأبطال الظل أقوى، وأشد جلَدا، وأكثر شجاعة- ربما- من أبطال الضوء؛ لأن أولئك يُصَوَّرُون هناك باعتبارهم خريجي تدريب عسكري عالي الجودة، في البحرية الأميركية وغيرها، في حين لا تتفوق قدراتهم الخارقة المزعومة، على قدرات مرافقيهم من «أبطال الظل» و«الجنود المجهولين»، الذين يتسلقون معهم أينما تسلقوا، ويركضون معهم أينما ركضوا، ويسبحون معهم أينما سبحوا.
الحقيقة أن التاريخ يصنعه «أبطال الظل» هؤلاء.. ثم يترسبون- كالدر- في الأعماق، تاركين السطح للزبد...فالأهرام بنتها عقول العلماء، وأيدي البسطاء، ثم نال الفراعنة شرفها.. زورا وبهتانا.. وقس على ذلك كل عجائب الدنيا السبع.. ومآثر ومنشآت الحضارة المعاصرة.. إننا بحاجة للنظر في الوجه الآخر.. للأشياء... فغالبا ما يخدعنا بريق القناع.. عن حقيقة الوجه.. والتاريخ- كان وما يزال- يكتب بأقلام، إمَّا معَ، وإمَّا ضِدَّ.. وبينهما تضيع الحقيقة...أو تميع على الأقل
أدي آدب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق