لاشيئ أقوى في العالم من روح الثقافة وكنهها البراق في عيون أبنائها ، فلكل منا ثقافته وروحها المتقدة دوما بين جوانحه وفي قلبه المستيقظ باستمرار للحرص عليها والدفاع عن جوهرها وبريقها .
الثقافة هي إنعكاسات أصولنا وتاريخنا الطويل عبر الزمن ، هي ذلك الخيط الناظم بين جذورنا وقلوبنا ، بين ماضينا وحاضرنا وبلسم جراحنا الدفينة بدواخلنا ، فهل يعقل أن يستقيل أي واحد منا عن ثقافاته ؟ الجواب حتمي ويفرض نفسه بكل أعتزاز ، لاشيئ أكثر إلتماعا في عيني الإنسان سوى ثقافته أيا كانت ؛ خصوصا في بلد تتعدد هوياته وثقافته ، ألوان ساكنته وألسنة مواطنيه مثل موريتانيا ذات البعد الإسلامي العربي الإفريقي .
هذ التنوع العرقي المكون من العروبية والزنجية والبربرية حتى ، لاشك بأنه يشكل مصدر ثراء للتعايش السلمي وروح السلام والمودة والإخاء والطمأنينة في ظل الإسلام المشترك الذي هو دين الشعب ، كما أن ثقافاته المختلفة قد تشكل هي الأخرى مزيجا وطنيا مخلصا لقيم الجمهورية والسلم الإجتماعي والأهلي بين هذه الثقافات المختلفة أصولا ولغات وعادات وتقاليد ، فلكل ثقافة من ثقافات موريتانيا طابعها الخاص فالإختلاف بينهما لايخفى على المتصوف حين يصطلي على ناره .
فإذا عدنا مثلا إلى تقصي أي ظاهرة إجتماعية في موريتانيا وبحثنا عنها في ثقافاتنا المحلية المتنوعة ستكون نتائج التشخيص مختلفة تماما لأن أختلافنا في السلوك والتفكير والممارسة تختلف باختلاف ثقافاتنا وهنا لابد من الرجوع إلى الخصوصيات لإيجاد ماهو مشترك بين هذه المكونات الإجتماعية المتعددة والتي هي خلاصة مجتمع متكامل للجمهورية كإطار يجمع الكل بتنوعه وأختلاف ألوانه ولهجاته تحت يافطة الدولة .
وإنطلاقا من تمسك الإنسان بثقافته وتشبثه بها وضرورة التعايش مع الآخر تحضر أهمية الحوار بين المتخالفين ثقافيا والمتصالحين وطنيا إن صح ذلك مجازا بل يصبح حوار الثقافات ذا أهمية في تجسيد مصالحة وطنية تستمد قوتها من التنوع ومتانتها من الحوار المشترك المبني على المصالحة والمصارحة بدل الإصطدام والمراوغة على حساب اللحمة الإجتماعية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي ، وهي ثنائية قد تربط بشكل وثيق بالوحدة الوطنية التي تشكل صمام أمان للوطن الذي هو حاضن لكل الثقافات المحلية سواء السونكية والولولفية والبولارية والبيظانية العربية البربرية .
إن التنوع الثقافي الذي تعيشه موريتانيا يكاد يكون خصوصية نادرة ومثالا يتيما في العالم بحيث لاتكاد تجد ثقافات مختلفة ومتنوعة في أي من بلدان العالم يجمعها دين واحد سوى موريتانيا مما يجعل مسألة التعايش والتفاهم مسألة محسومة سلفا بحمكم الدين المسترك وإن كان الحوار بين هذه الثقافات و هذه المكونات رهانا للمصالحة الأبدية بينهما ، وعدم توظيف هذ التنوع وغياب حوار بينهما يهدد البلد بإخفاقات مخيفة للوحدة الوطنية الضامنة الوحيدة لوتيرة النمو والإزدهار والسلم الأهلي ، وسط غياب برامج تعليمية هادفة تقوي من اللحمة الإجتماعية لمجتمع يكاد يكون عدم التواصل بين مكوانته السمة الأبرز لغالبية شعبه المتفق دستوريا على اللغة العربية والمستخدم واقعيا للهجات مختلفة تجعل التفاهم بين مكوناته الثقافية حاجزا حقيقيا في وجه شراكة قوية على ميثاق وطني جامع لكل أطيافه المتعددة .
إن الإيمان المشترك بوجود تنوع ثقافي يشكل ثراء كبيرا في موريتانيا يوازيه أيضا إيمانا آخر يعنى أساسا بضرورة وضع مخططات وبرامج عليا تستهدف بالأساس النخب والفاعلين والمهتمين بحتمية وجود حوار حضاري بين الثقافات المحلية وتعميق النقاشات لحلحلة المشاكل التي قد تتهدد السلم الإجتماعي أو الوحدة الوطنية ، كما أنه بات من الضرورة بمكان أن تدمج هذه الثقافات كلية في البرامج التعليمية والأخذ بالمحافظة على هذ التنوع النادر ضمن إهتمامات الدولة في إطار سياساتها العامة .
حنان محمد سيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق