تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا فحوى لقاء بين رئيس الدولة، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، المكلف قبل غيره بالسهر على حماية الدستور وتطبيق القانون، ومجموعة من شيوخ حزبه، جاء فيه أن محمد ولد عبد العزيز أخبرهم أن رجل الأعمال الفرنسي بولوري - وهو من هو- وضع له على مكتبه الرئاسي مبلغ عشرة مليون يورو كرشوة مقابل إسناد تسيير ميناء نواكشوط لمؤسسته المعروفة إفريقيا ودوليا.
ومما لا ريب فيه أن الحادثة المشبوهة تطرح جملة من التساؤلات تكشف مدى توغل الرشوة والفساد في أعلى مفاصل الدولة، وتظهر أن شعار "محاربة الفساد" كان أصلا ومازال مجرد غطاء للفساد، وتظهر كذلك أن رجال الأعمال الأجانب والوطنيين لا يمكنهم الحصول على صفقة من صفقات الدولة إلا بمقابل مالي مدفوع مسبقا.
فكيف يعقل أن يدخل رجل أعمال القصر الرئاسي حاملا هذا المبلغ، وهو ما يعادل تقريبا أربعة مليارات أوقية دون أن يلفت انتباه الحرس الرئاسي المفترض يقظته، وكبار موظفي الدولة القائمين على تسيير المرافق العامة في رئاسة الدولة، اللهم إلا إذا كانوا قد ألفوا دخول مبالغ بهذه الطريقة بشكل يومي مع من يقابلون رئيس الدولة ؟
وكيف يتجرؤ شخص ما - وما بالك به إن كان رجل أعمال متمرس يدرك خطورة ما يُقدم عليه - على أن يعرض على رئيس الدولة رشوة مالية، إلا إذا كان على علم مسبقا بقبوله لها ؟
وما هو السر وراء لقاء رئيس الدولة برجل أعمال أجنبي على انفراد، دون حضور القائمين على القطاع المعني، فيما يعتبر خرقا لتقاليد الإدارة وعملها ؟
ولماذا لم يتم تطبيق النصوص القانونية الصريحة التي تلزم كل شخص وصل إلى علمه ارتكاب جناية كجناية الرشوة أن يُبلغ عنها الجهات القضائية صاحبة الاختصاص، خصوصا وأن النيابة العامة تحت إمرة من تعرض لمحاولة الرشوة...؟، ولماذا تم التعتيم على هذه الحادثة الخطيرة ؟
ومهما كانت الردود على هذه التساؤلات وغيرها، فإن هذه الحادثة يبدو أنها ليست الأولى من نوعها التي يُوظف فيها رأس النظام وأعوانه نفوذهم ومراكزهم الحساسة، لإبرام صفقات مشبوهة على حساب مصلحة الوطن.
وقد سبق للتكتل أن أعطى نماذج من حالات الرشوة الفاضحة والفساد المستشري والمُمنهج، الذي ميّز حكم ولد عبد العزيز، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: فضيحة السنوسي، 50 مليون دولار هبة من السعودية، فضيحة اكرا، فضيحة محطة الكهرباء المزدوجة بنواكشوط، فضيحة الاستصلاح الزراعي في روصو واركيز، فضيحة شركة إنارة نواكشوط بالطاقة الشمسية، فضيحة شركة هونغ دونغ، فضيحة المطار، فضيحة الأعلاف الحيوانية، فضيحة سونمكس،...
إن التجرؤ على رشوة رئيس الدولة لَيكشف ما وصلت إليه القيم الأخلاقية من تدن وتلاشي لهيبة الدولة ومكانتها واعتبارها، وفظاعة سوء التسيير وتغلغل الرشوة في مفاصلها، إلى درجة التباهي وعدم الخجل من ذكرها علنا.
إن تكتل القوى الديمقراطية، والحالة هذه، يطالب بتحقيق قضائي عاجل في ملفات الفساد، وخاصة الملف المتعلق باعتراف رئيس الدولة أنه تعرض شخصيا لمحاولة رشوة في مكتبه بالقصر الرئاسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق