كان عامي الأخير في جامعة نواكشوط يسير بتثاقل ممل نحو النهاية، كنت أشاهد البطالة فاتحة فمها كالغول، تنتظر تخرجي بفارغ الصبر لكي تلتهمني مرة واحدة، مع جيش من أمثالي العاطلين عن العمل وعن الحب وعن السعادة.
الواقع أيضا غير مشجع على التفاؤل فيما يتعلق بالحب، أصغر الفتيات تجلس بين أكبر النساء عمرا ثم تسرد مواصفات فارس أحلامها المجحفة في حقي وحق نظرائي.
تريده أزرق العينين، طويل القامة مفتول العضلات، كثيف شعر الصدر، وفضلا عن ذلك كله يجب أن يكون غنيا لديه منزل كبير به حديقة وسيارة فاخرة.
مثل هذا التفكير جعلني أعشق مراجعي وكتبي وباص الرئيس محمد ولد عبد العزيز ووجبة مطعم الجامعة التي تشجع على النوم في الفصل.
قررت باستسلام كبير أن أتخرج بصمت وأن تبتلعني البطالة بصمت أيضا، فلا شيء في هذا المجتمع يشجعك على المقاومة وحب الحياة والإنتاج.
في أحد أيامي المعتادة داخل الجامعة وأنا أصور كتابا عند حبيب صاحب دكان الجامعة والشاي الأصفر البارد، تفاجأت بإحداهن تسأل عمن يدلها على مجموعة للمراجعة تكون جيدة وتضم طلابا مجتهدين، فهمت من كلامها أنها لم تكن تحضر سوى للاختبارات.
شجعتني ابتسامتها الساحرة على التدخل..
- مرحبا أنا اسمي محمد طبعا في تخصصك "التاريخ" السداسي السادس.
- أهلا أنا فادية هذا تخصصي أيضا لكن بسبب المشاغل لم أكن أحضر المحاضرات .
-لا عليك يمكن أن نحضر معا للامتحان
- هذا من لطفك شكرا جزيلا ..هل يمكن أن تعطيني رقم هاتفك .
-بالتأكيد ....4650
-سأتصل بك لاحقا ..إلى اللقاء
-إلى اللقاء
بعد الحديث مع كاملة الأوصاف فادية عدت إلى سبب وجودي داخل الدكان الصاخب كنقطة ساخنة.
صحت عاليا.
- حبيب هل انتهى الكتاب ؟
- حالا دقائق وسيجهز. ..قالها وهو يعطي كأسا من الشاي بدون رغوة لأحد الطلاب...
عدت إلى المنزل وتسمرت قرب الهاتف بعد ما وضعت مستوى صوت الرنين على أعلى مستوى...كنت أنتظر اتصالها بفارغ الصبر، لا أشعر بشيء اتجاهها على الأقل حتى اللحظة لكنني أرغب في سماع صوتها ومشاهدتها وهي تبتسم...
جلست أراقب المراجع والكتب وعيني على الهاتف، كنت أشعر بأنها ستتصل، مر وقت طويل وبدأ النعاس ينال مني، في لحظة ترقب مميتة للأعصاب، رن الهاتف منذرا برسالة جديدة...في ثوان قبل قراءة الرسالة راودتني أفكار كثيرة، لابد أنها فادية يبدو أنها لا تمتلك رصيدا وأرسلت رسالة عوضا عن الاتصال..
فتحت الرسالة فإذا بها من صديقي الذي أخذت عشرة آلاف من عنده على أن أردها في نهاية الشهر عندما آخذ المنحة التي تأخرت هذه المرة.
قررت النوم علني ألتقي بضحكتها في المنام، أو أسمع صوتها حتى ولو تخيلا..
أصبحنا نلتقي من الحين إلى الآخر في الجامعة، كثيرا ما عرضت علي أن أزورهم في المنزل لكي نستعد معا للامتحان.
أثناء زيارتي لمنزل أهلها تعرف على والدها وهو رجل وقور ودود لكنني ستكتشف فيما بعد بأنه رجعي حد الجنون.
أما والدتها فهي سيدة تبتسم على الدوام، ملامحها تقول إنها كانت جميلة لكن صروف الدهر جاءت على بعض تلك الملامح، غير أنها على دين زوجها ولا تناقشه في شيء حسب ما قالت لي فادية.
أشهر قليلة من العشرة والدراسة معها، كانت كفيلة لجعلي أقع في حب كاملة الأوصاف فادية، غير أن عراقيل كثيرة كانت تحول دون اعترافي لها بمشاعري، ولعل أبرزها عامل العمر حيث كنت أصغرها بثلاث سنوات وثانيا الواقع المادي الذي أعيش فيه، إذ لا يمكن لفتاة في هذا الزمن أن ترتبط بشاب بلا أفق واضح على المدى القريب.
قبل أن تلفظ السنة الدراسية نفسها الأخير، لتجعلنا أمام واقع مفزع، قررت أن أصارحها بمشاعري على سأستريح حتى ولو كان جوابها سلبيا.
في مساء من مساءات نواكشوط الصاخبة، وبينما كنا في طريق العودة من الجامعة، قمت باستجماع كامل قواي الظاهرة والباطنة وقررت الاعتراف للجميلة فادية محمد.
شعرت برعشة في ركبتي وانخفضت وتيرة صوتي، عرفت بأنه أمر طبيعي لشاب لم يخض التجربة من قبل، فكل تجاربه مع الجنس اللطيف تتلخص في قبلة عابرة سرقتها ابنة الجيران الشقية عندما كنت أشرح لها دروسها بطلب من والدتها .
عند ملتقى طرق مدريد وقفنا جانبا وأنا في موقف لا أحسد عليه..
- أنا يا فادية أ أ أ أ أ التفت يمنة ويسرة وأضيف ...أشعر بمشاعر حب اتجاهك وسأكون في غاية السعادة لو كنت تشعرين بنفس الشيء .
سكتت برهة وكانت بمثابة سنين على قلبي الذي بات يضرب بقوة أضلعي وكاد يخترقها.
-انت شاب طيب وكل فتاة تتمناك .
هذه الجملة أعرفها في السينما تقولها الفتاة قبل الرفض..استرسلت في الكلام..
-لكنك أصغر مني أهلي والمجتمع لن يقبلا بعلاقتنا ولا بزواجنا بعد ذلك .
تحطم قلبي ولم أعد أعرف ماذا أقول، حاولت أن أبدو قويا .
- لماذا لا نحارب المجتمع من أجل سعادتنا ومشاعرنا..
افترقنا على إجابة لم اعتبرها نهائية، انتهى العام الدراسي وتخرجنا، حافظنا على أن نظل على اتصال دائم.
بعد أربعة أشهر اتصلت فادية في خضم غفلة عن مساء التعبير عن الشعور وكانت المفاجأة.
قالت بالحرف الواحد :
-أنا أيضا أعتقد أنك أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتي ولك في القلب مكان .
فرحت فرحة عارمة، لكن الأسوء كان في انتظارنا..
اقتصرت الطريق، وشاركت في أول مسابقة للأساتذة، وحالفني الحظ في النجاح فيها، كانت فكرتي أن أتزوج حبيبتي فادية سنة بعد تخرجي، كنت أعلم أن أهلها لن يتركوها بسلام، ففتاة بعمرها لم تتزوج حتى الآن هي في الحقيقة موضع هجوم دائم من الأهل خاصة والمجتمع عامة.
كان حبنا يضرب جذوره في الأعماق، اكتمل تفاهمنا، أصبحنا نتنفس برئة واحدة ونفكر بقلب واحد، اعتقدنا أن الأمور تجري حسب ما خططنا لها، غير أن القدر كان قد رسم نهاية أخرى لم تخطر على بال أحدنا.
بعد يوم شاق من الدراسة والتحضير للتخرج من المدرسة الوطنية للتعليم العالي، وبينما أن على فراشي في المنزل آخذ قسطا من الراحة، إذا بهاتف النوكيا المتهالك يرن، للحظة لم أتخيل أن المتصل قد يكون فادية.
-هلا بالحبيبة
ردت بصوت ضعيف
-مرحبا أريدك حالا ..انا في انتظارك أمام المنزل
مالذي حصل ؟ ماهي المشكلة ؟ هذه أول مرة تفعلها ؟
أسئلة كثيرة دارت في مخيلتي بدون أن أفكر حتى بإجابتها، وأمور كثيرة فكرت فيها، لكن ما حصل لم أكن لأفكر فيه.
وددت لو كنت أستطيع الطيران، أصبحت المسافة بين لكصر ودار النعيم طويلة جدا، تبدو مسافة قصر، وما للسائق هو الآخر لا يسرع..القلب يدق بطريقة لا توصف والنفس متوقف، أكيل الشتائم لكل سائق توقف أمامنا، أطلب من السائق أن يسرع..
تبدت لي من بعيد فادية وهي تجلس أمام المنزل، تبدو غير مرتاحة، هكذا أخبرني قلبي الذي عجز عن استيعاب مالذي يحصل.
اقتربت شيئا فشيئا، وكلما اقتربت كلما زاد قلقي، على خديها احمرار، وفي عيونها دمعة تأبى الانكسار، إنها فادية بكبريائها، على وجهها تجلت معالم المشكلة.
-فادية خيرا ما بك
أومأت علي أن أدخل، كانت هناك والدتها وأبن أختها التي تصغرها، إلى الصالون جلسنا.
-مالأمر فادية
وكأنها كانت تنتظر السؤال مرة أخرى، انهارت على كتفي..وبصوت مهزوز وقلب محطم بدأت تقص علي ما جرى..
- إنهم يظنون بأنني بضاعة أباع وأشترى، أو أنني عجزت عن إيجاد زوج يناسبني، أخذوا القرار حتى بدون علمي..أبي كان قد زار ابن عم له شرقي البلاد، وعندما سأله عنا وهل تزوجنا أخبره بأنني لم أتزوج بعد، وخطبني لابنه وقد قرروا أن نتزوج.
تسمرت في مكاني، ربط لساني لم أعد أعرف ماذا أقول وماذا أفعل.
فكرت في أن أخرج إلى والدتها، لكنني تذكرت أنها على دين زوجها، فكرت في أن انتظر قدوم والدها لكن برجعيته وفكره المتحجر لن يتحدث معي حتى، فكرت في أمور من ضرب الجنون، غير أنني ظللت في مكاني.
-اهدئي يا فادية كل شي سيكون بخير، انا لك وأنت لي .
-ردت والدموع تنهمر على خديها الجميلين، حتى لو لم أكن أحبك حتى لو لم تكن في حياتي لم أكن لا أقبل، لأنني لست بضاعة ولن أقبل بأن يبيعني أحد ما بالك وأنا مجنونة بك.
خليلي ما أرجو من العيش بعدما ...أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا
قبل رحيلي ضميتها على صدري، بدى وكأنه الحضن الأخير.
رحلت وكانت الدنيا تضيق أمام ناظري، لم يعد هناك شيء في الحياة يستحق العناء، أحلامي كانت ناطحات سحاب تطاول السماء، وفجأة أصبحت رمادا تذروه الرياح.
أويت إلى فراشي وليتني لم أفعل، عشت ليلة طويلة من الكوابيس المرعبة، بت اتقلب ذات اليمين وذات الشمال.
سارت الأحداث سريعا وانا مكتوف الذراعين أتفرج على خيبتي على بؤسي على شقائي على قلبي وهو يتحطم.
قبل عقد قرانها بساعات اتصلت علي لتقول لي إنها تحبني وستبقى كذلك ما حيت.
انتهى سنتي الأخيرة في التكوين، بعد العطلة الصيفية غادرت إلى كيفة لأبدأ مسيرة التدريس من هناك، قبل مغادرتي اتصلت عليها لأودعها وأطلب منها أن تعيش بسعادة.
تسعة أشهر مرت ، وعدت إلى العاصمة، لم أرد أن تعرف فادية بذلك، هي الآن لديها حياتها لا يجب أن أنكيء جراحها.
في أحد الأيام وأنا أمر بمفترق طرق مدريد أبحث عن سيارة، فإذا بالشخص الذي يجذب دراعتي من الخلف، لم يكن سوى فادية لكن هذه المرة معها شخص آخر، لقد كانت تحمل طفلا، طفلها الأول.
الماضي بحلوه ومره حضر أمامي مرة واحدة.
كان ذلك الطفل ليكون ابني لولا والدها صاحب القرار الأحادي والفكر الرجعي.
وأنا ابادلها التحية كنت أسأل نفسي، هل ستصبح من نصيبي..طلبت مني أن أزورهم في المنزل، وعندما فعلت وجدت الإجابة النهائية
فرحت فرحة عارمة، لكن الأسوء كان في انتظارنا..
اقتصرت الطريق، وشاركت في أول مسابقة للأساتذة، وحالفني الحظ في النجاح فيها، كانت فكرتي أن أتزوج حبيبتي فادية سنة بعد تخرجي، كنت أعلم أن أهلها لن يتركوها بسلام، ففتاة بعمرها لم تتزوج حتى الآن هي في الحقيقة موضع هجوم دائم من الأهل خاصة والمجتمع عامة.
كان حبنا يضرب جذوره في الأعماق، اكتمل تفاهمنا، أصبحنا نتنفس برئة واحدة ونفكر بقلب واحد، اعتقدنا أن الأمور تجري حسب ما خططنا لها، غير أن القدر كان قد رسم نهاية أخرى لم تخطر على بال أحدنا.
بعد يوم شاق من الدراسة والتحضير للتخرج من المدرسة الوطنية للتعليم العالي، وبينما أن على فراشي في المنزل آخذ قسطا من الراحة، إذا بهاتف النوكيا المتهالك يرن، للحظة لم أتخيل أن المتصل قد يكون فادية.
-هلا بالحبيبة
ردت بصوت ضعيف
-مرحبا أريدك حالا ..انا في انتظارك أمام المنزل
مالذي حصل ؟ ماهي المشكلة ؟ هذه أول مرة تفعلها ؟
أسئلة كثيرة دارت في مخيلتي بدون أن أفكر حتى بإجابتها، وأمور كثيرة فكرت فيها، لكن ما حصل لم أكن لأفكر فيه.
وددت لو كنت أستطيع الطيران، أصبحت المسافة بين لكصر ودار النعيم طويلة جدا، تبدو مسافة قصر، وما للسائق هو الآخر لا يسرع..القلب يدق بطريقة لا توصف والنفس متوقف، أكيل الشتائم لكل سائق توقف أمامنا، أطلب من السائق أن يسرع..
تبدت لي من بعيد فادية وهي تجلس أمام المنزل، تبدو غير مرتاحة، هكذا أخبرني قلبي الذي عجز عن استيعاب مالذي يحصل.
اقتربت شيئا فشيئا، وكلما اقتربت كلما زاد قلقي، على خديها احمرار، وفي عيونها دمعة تأبى الانكسار، إنها فادية بكبريائها، على وجهها تجلت معالم المشكلة.
-فادية خيرا ما بك
أومأت علي أن أدخل، كانت هناك والدتها وأبن أختها التي تصغرها، إلى الصالون جلسنا.
-مالأمر فادية
وكأنها كانت تنتظر السؤال مرة أخرى، انهارت على كتفي..وبصوت مهزوز وقلب محطم بدأت تقص علي ما جرى..
- إنهم يظنون بأنني بضاعة أباع وأشترى، أو أنني عجزت عن إيجاد زوج يناسبني، أخذوا القرار حتى بدون علمي..أبي كان قد زار ابن عم له شرقي البلاد، وعندما سأله عنا وهل تزوجنا أخبره بأنني لم أتزوج بعد، وخطبني لابنه وقد قرروا أن نتزوج.
تسمرت في مكاني، ربط لساني لم أعد أعرف ماذا أقول وماذا أفعل.
فكرت في أن أخرج إلى والدتها، لكنني تذكرت أنها على دين زوجها، فكرت في أن انتظر قدوم والدها لكن برجعيته وفكره المتحجر لن يتحدث معي حتى، فكرت في أمور من ضرب الجنون، غير أنني ظللت في مكاني.
-اهدئي يا فادية كل شي سيكون بخير، انا لك وأنت لي .
-ردت والدموع تنهمر على خديها الجميلين، حتى لو لم أكن أحبك حتى لو لم تكن في حياتي لم أكن لا أقبل، لأنني لست بضاعة ولن أقبل بأن يبيعني أحد ما بالك وأنا مجنونة بك.
خليلي ما أرجو من العيش بعدما ...أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا
قبل رحيلي ضميتها على صدري، بدى وكأنه الحضن الأخير.
رحلت وكانت الدنيا تضيق أمام ناظري، لم يعد هناك شيء في الحياة يستحق العناء، أحلامي كانت ناطحات سحاب تطاول السماء، وفجأة أصبحت رمادا تذروه الرياح.
أويت إلى فراشي وليتني لم أفعل، عشت ليلة طويلة من الكوابيس المرعبة، بت اتقلب ذات اليمين وذات الشمال.
سارت الأحداث سريعا وانا مكتوف الذراعين أتفرج على خيبتي على بؤسي على شقائي على قلبي وهو يتحطم.
قبل عقد قرانها بساعات اتصلت علي لتقول لي إنها تحبني وستبقى كذلك ما حيت.
انتهى سنتي الأخيرة في التكوين، بعد العطلة الصيفية غادرت إلى كيفة لأبدأ مسيرة التدريس من هناك، قبل مغادرتي اتصلت عليها لأودعها وأطلب منها أن تعيش بسعادة.
تسعة أشهر مرت ، وعدت إلى العاصمة، لم أرد أن تعرف فادية بذلك، هي الآن لديها حياتها لا يجب أن أنكيء جراحها.
في أحد الأيام وأنا أمر بمفترق طرق مدريد أبحث عن سيارة، فإذا بالشخص الذي يجذب دراعتي من الخلف، لم يكن سوى فادية لكن هذه المرة معها شخص آخر، لقد كانت تحمل طفلا، طفلها الأول.
الماضي بحلوه ومره حضر أمامي مرة واحدة.
كان ذلك الطفل ليكون ابني لولا والدها صاحب القرار الأحادي والفكر الرجعي.
وأنا ابادلها التحية كنت أسأل نفسي، هل ستصبح من نصيبي..طلبت مني أن أزورهم في المنزل، وعندما فعلت وجدت الإجابة النهائية
السالك عبد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق